‏‏‏أثارت جدلاً واسعاً وواجهت انتقادات قاسية

رشــيـدة داتـي.. حـليـفـة ساركوزي اللدودة‏

ملابس داتي تمثل عنصراً مركزياً في شخصيتها. غيتي ــ أرشيفية

دخلت وزيرة العدل الفرنسية السابقة، رشيدة داتي مسرعة إلى بهو الفندق غير آبهة بنظرات المعجبين التي تركزت عليها ولاحقت خطواتها كسرب من النحل. وكانت داتي ترتدي بنطالاً جلدياً اسود وحذاء مرتفع الكعب، وتضع أحمر شفاه، وكان وصولها بناء على موعد مسبق لإجراء مقابلة معها.

وكنت أتوقع منها ان تنزعج عند سؤالها عن مظهرها، ولكن اتضح أني مخطئة تماماً، اذ إنها كانت سعيدة جداً للحديث عن ملابسها، وقالت «لطالما كان الحديث عن الحركات النسوية مرادفاً للترهات. ولكن ذلك تغير الآن، وأصبحت جزءاً من كوني إمرأة وجزءاً من هويتي للحفاظ على أنوثتي». وبعد ذلك تحدثت داتي عن كيفية أنها كانت ترى المارة في الشوارع وعيونهم الى الأرض وهم ينظرون الى حذائها.

ومن الصعب العثور على سياسيات بريطانيات يبدين هذا الاهتمام بالمظهر لأنهن يعتقدن ان ذلك يخفف من شأنهن كسياسيات. ولكن داتي لا توافق على ذلك وتقول بدأت أهتم بمظهري بينما كنت في الـ.15

تعبير عن الذات

ويبدو أن ملابس داتي تمثل شيئاً مركزياً في شخصيتها، لأنها تعني بالنسبة لها تعبيراً عن الذات ورمزاً للنجاح وإشارة إلى ما حققته من إنجاز في حياتها التي كانت بدايتها في فقر مدقع، كما أنها تقتدي بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يعتقد انه ليس هناك ضير في اظهار ثمار النجاح بعد العمل الشاق، فهي قادمة من عائلة مؤلفة من 12 طفلاً ووالدين مهاجرين من شمال افريقيا، ولم يكن أي منهم يستطيع القراءة أو الكتابة.

ولكن رغم أن ساركوزي مولع بالساعات الفاخرة والسيجار، فإن الناخبين يتقبلون ذلك منه ولكنهم يوجهون الانتقاد لداتي لأنها تحب ارتداء الملابس الفاخرة من الماركات العالمية. وعندما كانت وزيرة للعدل تعرضت داتي لانتقادات لاذعة حينما أجرت معها مجلة باري ماتش عام 2007 لقاء وكانت ترتدي ملابس من ماركات عالمية، في وقت كانت فرنسا تجري تقشفاً كبيراً في نفقاتها، فما كان من برونو توزولير رئيس نقابة القضاة، إلا أن قال منتقداً «إنها تظهر اهتمامها بالتوافه في مواجهتها للمشكلات العسيرة». وردت داتي على هذا النقد، قائلة «لا يهمني الحديث عن قضايا تافهة ولكني أهتم بالحديث عن قضايا كبيرة تهم الشعب الفرنسي». وعندما سئلت عن سبب اهتمام الإعلام بها قالت إنه الفضول الذي يدفعهم الى التعرف إلى هذه الفتاة «وأنا حقاً ما كان في الإمكان أن أحقق كل هذا لو أني لم أعمل بجد، فأنا جئت من عائلة فقيرة ولا أملك المال ولا العائلة الكبيرة».

وكان والد داتي عامل بناء حجارة اسمه مبارك، مهاجراً من المغرب وأمها فاطمة الزهراء مهاجرة من الجزائر وتعمل في الزراعة، والتقيا وتزوجا وعاشا في ضاحية ليون الفرنسية. وتقول داتي «رغم الفقر الشديد، إلا ان حياتنا كانت جيدة وكان والداي يقدمان لنا الكثير من الحب». وبدأت داتي الدراسة وكانت مجتهدة جداً وحققت درجات عالية دائماً وكان المألوف بالنسبة لها ان تكون الأولى في صفها. وبدأت العمل من سن الـ16 كي تحقق بعض المال كي تساعد أهلها، وكانت مدفوعة برغبة قوية جداً للنجاح.

 

مقتطفات

‏ ولدت رشيدة داتي في نوفمبر عام 1965 في سان ريمي في فرنسا، وعاشت في شمال شرق ليون ودرست في مدارس الكاثوليك وتابعت دراستها الجامعية في الاقتصاد في جامعة ديغو، ومن ثم درست المحاسبة والقانون.

عام 2002: قبل نيكولا ساركوزي المعين حديثاً وزيراً للداخلية في فرنسا، داتي كمستشارة عن المهاجرين.

عام 2005: حاولت الحد من الأضرار الناجمة عن اشارة ساركوزي الى مثيري الشغب في ضواحي باريس بأنهم «حثالة».

مايو 2007: أصبحت داتي وزيرة العدل الفرنسية وواحدة من سبع نساء تم تعيينهن في حكومة ساركوزي. وكانت اول مسلمة في موقع حكومي مهم في فرنسا.

ديسمبر2007: دافعت داتي عن صور عابثة لها وهي ترتدي ملابس غير تقليدية وحذاء كعبه مرتفع جداً عندما أجرت مقابلة مع مجلة باري ماتش الفرنسية.

سبتمبر 2008: أعلنت داتي عن حملها ورفضت الكشف عن اسم والد طفلتها.

يناير 2009: تعرضت لانتقادات شديدة خاصة من قبل الحركات النسوية الفرنسية، عندما قررت العودة الى العمل بعد خمسة ايام من ولادتها طفلتها زهرة.

مايو 2009: تنحت داتي عن منصبها وزيرة للعدل.

سبتمبر 2009: نشر شقيق داتي، عمر كتاباً يقول فيه إن شقيقته جلبت العار للعائلة المسلمة بعد انجابها من دون زواج.

فبراير 2010: شجبت داتي ارتداء البرقع في فرنسا خلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، وقالت إنه لا يتماشى مع القيم الأوروبية.

تقول داتي: «حياتي ليست قصة جميلة وأنا لست بطلة في رواية تعليمية للناس كي يذرفوا الدموع وتشجعهم على العمل بجد».‏

العمل الجاد

وتعتبر داتي أن حياتها ليست حكاية خيالية وتقول «صنعت حياتي عن طريق العمل الجاد والنجاح، والفشل أحياناً والألم وهذا ما يعانيه أي شخص آخر». وتضيف «كنت نتاج والدي وانتهى بي المطاف أن اصبحت وزيرة العدل وحققت ذلك عن طريق العمل الجاد ولم يكن هناك أي شيء غير اعتيادي أو استثنائي في حياتي ولكنني أنسجم مع القيم الفرنسية».

غير أن الأمور يمكن أن تذهب في اتجاهات مختلفة، اذ إن شقيق داتي الأصغر وهو جمال اتهم بالاتجار في المخدرات وشقيقها الآخر عمر يجري التحقيق معه بتهمة تهريب المخدرات، إلا أن داتي اتخذت منحى آخر، ففي جامعة ديغون درست الاقتصاد وبدأت إمطار رجال الأعمال برسائل تطلب منهم النصح، وعملت لفترة في الحسابات ومن ثم تحولت الى القانون، حيث أثار بروزها الصاروخي في المراتب انتباه وزير الداخلية الشاب نيكولا ساركوزي الذي عينها مستشارة له عام .2002

العلاقات مع ساركوزي

وفي البداية لم تكن داتي وساركوزي حليفين قويين فهو يميني، وهي ليبرالية، ولكن الاثنين تقاربا أكثر وأصبحت علاقتهما وثيقة. وبالنسبة لساركوزي ابن مهاجرين من هنغاريا، فإن داتي تمثل فرنسا الجديدة التي ستكون متنوعة من الناحية العرقية وتتحلى بالمساواة بين أفراد شعبها. واختارها ساركوزي بعد انتخابه رئيساً، وزيرة للعدل. ورغم أنه من المألوف أن يتم توزير أشخاص من خارج الحياة السياسية في فرنسا، إلا أن ذلك جعل داتي عرضة للانتقادات القاسية حتى عام ،2008 حيث استقالت من منصبها وأصبحت محافظ المديرية السابعة في باريس، وتقول داتي «في السياسة أنت تبقى اذا تم انتخابك».

وكان ساركوزي الذي دعم داتي رغم افتقارها للخبرة السياسية، قد تحول ضدها عندما حاولت انجاز اصلاحات راديكالية في السجون والمحاكم رغم معارضة النظام القضائي. وعندما أعلنت عن حملها في سبتمبر 2008 من دون أن تذكر من هو والد طفلتها والضجة الإعلامية التي رافقت ذلك، ازداد غضب ساركوزي منها. وفي يناير الماضي وبعد خمسة ايام من ولادة ابنتها زهرة اثر عملية قيصرية عادت داتي إلى العمل، وهي تحاول جاهدة بذل أقصى جهدها في العمل كي لا تعرض نفسها لغضب الحركة النسوية في فرنسا التي شعرت بأنها تعمل على تقويض حملتها من أجل الدفاع عن حقوق الأمهات. وهي تقول الآن دون اكتراث «فعلت ما توجب علي فعله».

وبعد مرور ثلاثة اسابيع من ولادتها، أرسلها ساركوزي للعمل في الاتحاد الأوروبي، وقالت لورا داغ محررة في مجلة سياسية على الانترنت «ستراسبورغ تمثل خياراً من الدرجة الثانية في السياسة الفرنسية»، ومع ذلك بقيت داتي وفية لرئيسها السابق، وقارنته بالرئيس الأميركي باراك اوباما، وقالت «انه ايضاً رجل عصامي».

ورغم أنها قالت إن عملها في الاتحاد الأوروبي مثير، إلا انها اشتكت في احدى المقابلات التلفزيونية من عملها الجديد. وتحدثت مع إحدى صديقاتها في ديسمبر الماضي واعترفت لها قائلة «لا استطيع تحمل هذا العمل أكثر من ذلك».

وفي هذه الأيام، تبدو داتي أكثر تركيزاً وتأملاً في عملها، وقالت «أركز على موضوعين اثنين في اوروبا، صناعة الطاقة ومستقبل التنظيم المالي. وهما موضوعان رئيسان في زمن الأزمة (المالية العالمية) وبالتالي فأنا قررت التركيز فيهما».

ولكن هل لاتزال على ود مع ساركوزي؟، تقول داتي «نعم نحن نرى بعضنا، ونتحدث عن اوروبا، انها الحياة السياسية»، وما علاقتها بزوجة ساركوزي عارضة الازياء السابقة كارلا بروني، التي قالت الشائعات ان علاقتها مع داتي اصبحت فاترة. وتقول داتي بعد لحظة صمت لتنتقي كلماتها «انه رئيس الدولة وحياته الخاصة ليست من شأن أحد».

حياة معقدة

ويبقى موقف داتي من حياتها الشخصية هشاً أيضاً، حيث تواصل إخفاء هوية والد ابنتها زهرة، حيث تقول إن حياتها الخاصة معقدة جداً. وطرح عدد من الأشخاص كآباء محتملين لزهرة وهم هنري بروغليو البالغ من العمر 60 عاماً وهو مدير شركة كهرباء عملاقة، ودومينيك ديســين ويعمل مدير كازينو، كما ظهر اسم رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا ازنار ولكنه سارع إلى إنكار ذلك بصورة غير عادية.

وتقول داتي ان الأمومة لم تأثر فيها، لكنها جعلتها أكثر سعادة، وتضيف «لا أعني أني كنت تعيسة قبل ذلك بيد أن ابنتي جعلتني أكثر سعادة»، وهو أمر حقيقي لأن داتي لا تستطيع منع نفسها من الابتسام عندما يتم تذكر اسم زهرة. وتعرب داتي عن شعورها بالحزن عندما تتذكر أن أمها التي توفيت قبل تسع سنوات لم ترَ حفيدتها. وتقول «عندما فقدت أمي شعرت بأني فقدت شخصا احبه كثيراً. وفي الحقيقة فإن نظرة الأم الى طفلها تختلف عن نطرة الأب».

ومن غير الواضح ما تعني داتي بذلك، لكن ربما يوحي ذلك بوجود تباعد بين داتي ووالدها. وكان شقيقها عمر نشر كتاباً العام الماضي، قال فيه ان شقيقته رشيدة «جلبت العار لعائلته المسلمة عندما انجبت طفلة من دون زواج». وترد داتي بالقول «إنها مسألة تخصني وعائلتي. وأتمنى ان يفخر والدي بي، والمسألة الآن ليست في الفخر وإنما في القيم. وأعتقد انه سعيد لأننا لم نترك كل قيمه». وفي نهاية المطاف، من الصعب ألا يعجب المرء بداتي نظراً لتصميمها المباشر لإنجاز الهدف الذي وضعته نصب عينيها.

وبخلاف العديد من السياسيين تبدو صادقة في حديثها، ورفضها الإجابة عن اسئلة أخرى، ربما يرجع ذلك إلى أنها لا تريد قول شيء غير مقتنعة به وليس من أجل اخفاء الحقيقة. وقالت «أنطلق من مبدأ أنه عليك أن تثق بالناس.

وربما قد تصاب بخيبة أمل، ولكن اذا لم تثق بهم فلن تتقدم إلى الأمام أبداً».

 

 

 

‏‏❊ إليزابيث داي

❊ كاتبة وصحافية في «الأوبزرفر»

 

 

تويتر