صحافي بريطاني يروي تجربته مع الـ«موساد»

هونام اعتقل لنشره معلومات عن «النووي» الإسرائيلي.          أرشيفية

لا أستغرب أن يكون جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الـ(موساد) وراء اغتيال القيادي الفلسطيني محمود المبحوح في دبي، ولا أعتقد أن هذه الجريمة ستمثل صدمة لأي أحد. ومن خلال تجربتي مع الاستخبارات الإسرائيلية فإن الرأي العام العالمي يأتي في آخر اهتمامات إسرائيل.

فقد قام عناصر «الموساد» بعمليات خطف وقتل في أماكن متفرقة من العالم، وتسبب ذلك في توتر في العلاقات الدولية. أما أنا فتجربتي مع الإسرائيليين بدأت عندما ذهبت إلى تل أبيب، لأنجز مهمة صحافية لمصلحة الـ«بي بي سي» وصحيفة «صندي تايمز»، سعياً لإجراء أول حوار مع الخبير النووي الاسرائيلي المعتقل لمدة 18 سنة، موردخاي فعنونو، المتهم بإفشاء أسرار نووية. وانتهى بي الأمر في مركز اعتقال ووجهت لي تهمة التجسس، أنا كذلك، على المنشآت النووية الإسرائيلية. وبعد إنجازي لحلقتين من الفيلم المصور مع فعنونو، بمساعدة صحافي إسرائيلي، تم توقيفي عندما كنت في الطريق إلى منزلي. وقبل اقتيادي إلى مركز الاستجواب في القدس اصطحبوني لتفتيش غرفتي في الفندق الذي أقمت فيه في تل أبيب. وعند دخولنا للفندق حاولت الفرار من الضباط الذين قاموا بتوقيفي، ليس بهدف الهروب وإنما من أجل لفت انتباه الموجودين في بهو الفندق.

وبعد ساعتين اقتادوني إلى سجن تحت الأرض، بُني أيام الوجود البريطاني، يستخدمه «الموساد» وجهاز الأمن الداخلي لاستجواب المتهمين والمشتبه فيهم.

وكنت حينها مقيد القدمين ومغطى العينين حتى لا أرى شيئاً، وكان الجنود يدفعونني لأسرع في الممرات. كانت الحجرة معزولة عن الخارج ولاتوجد بها نافذة ويمكن رؤية آثار النزلاء على الجدران حيث كتبت عليها جمل بالعربية، باستخدام الدماء أو إفرازات بشرية أخرى. وعلمت حينها كيف يعامل المتهمون في سجون «موساد». وأثناء التحقيقات أدركت أن المحققين يعتبرونني تهديداً للأمن الإسرائيلي، ويشكّون في إخفائي أشرطة ربما تتضمن معلومات حساسة أخرى حصلت عليها من فعنونو.

وبعد مرات عدة يتم فيها اقتيادي من الحجرة إلى مكتب التحقيق، قرر المحققون تغيير المزاج من خلال طرح اسئلة عامة حول لندن. إلا أنهم أخبروني بأن التحقيق في قضية «التجسس» سيستمر وأن اعتقالي سيستمر لمدة أربعة أيام، دون السماح لي بالاستعانة بمحامٍ.

وبعد معاناة استمرت يومين جاء المحامي، وبدأت المفاوضات حول ترحيلي من إسرائيل، الأمر الذي رفضته.

وعلمت أن خبر اعتقالي تصدّر الصحف العالمية وأن جهوداً دبلوماسية بذلت من أجل إطلاق سراحي.

مهما يكن فما حدث لفعنونو أفظع بكثير مما حدث لي، فقد أقنعته بالمجيء إلى بريطانيا عندما التقيته في سيدني في 1986 ،إلا أنه كان خائفاً من بطش الـ«موساد».

وعند وصوله إلى لندن، تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من اصطياده، متجاهلاً الاحتياطات الأمنية التي اتخذت من أجل حمايته، وكانت سائحة أميركية حسناء هي الطعم الذي أوقع فعنونو. ولم يكترث بتحذيرات له بأن سيندي قد تكون عميلة لـ«موساد»، وحاولت دعوتهما الى العشاء إلا أن ذلك لم يتم. واختفى بعدها لتعلن تل أبيب أنها تحتجزه بتهم الخيانة والتجسس. إلا أن «موساد» أخفق في إخفاء قصة فعنونو، التي قمنا بنشرها لاحقاً.

بيتر هونام - صحافي بريطاني في «الغارديان» اعتقله «موساد» في 2004

تويتر