رئيس «فوكس نيوز».. يصنع الرؤساء ويؤثر في السياسة الأميركية

روجرز إيلز رجل يعرف بالمكر والدهاء.  أرشيفية

روجر إيلز رجل يعرف بالمكر والدهاء، يرأس قناة «فوكس نيوز» التي تعني ترجمتها العربية «الثعلب»، حيث يحمل صفاته نفسها.

سهل هذا الرجل الداهية مهمة الدخول للبيت الأبيض لرؤساء أميركيين سابقين، مثل ريتشارد نيكسون، ومن بعده رونالد ريغان وجورج بوش الأب. يمقته الديمقراطيون والليبراليون، ويعملون له ألف حساب، حيث إنه السبب الرئيس في سقوط المرشح الديمقراطي مايكل دوكاكيس الذي ترشح ضد بوش الأب. وكان سبباً في خسارة الرئيس باراك أوباما ثلاث نقاط في مراكز الاستفتاء، ما فجر كراهية بين البيت الأبيض والقناة إلى اليوم. وعلى كل حال، استطاع رئيس «فوكس نيوز» أن يجلب دماء جديدة داخل الحياة السياسية الأميركية.

هناك سؤال كثيراً ما يطرحه المهتمون بإيلز والشأن الإعلامي: لماذا يحتاج هذا الرجل إلى سيارتين ذواتي زجاج مخفي لتنقلاته اليومية داخل نيويورك؟ كان الجواب: إرضاء لغروره. بيد أن صحيفة «نيويورك تايمز» الموالية للجمهوريين رأت أنه يفعل ذلك لدواع أمنية، حيث إن إيلز، والذي كان يوما من أشهر مستشاري حملات الحزب الجمهوري، يعتقد أنه مستهدف من «الإرهابيين» منذ أحداث 11 سبتمبر ،2001 ووصفه المقال نفسه في الصحيفة بأنه من أنجح الرؤساء التنفيذيين في مجال الأخبار التلفزيونية في العقد الماضي، فقد استطاع أن يرتقي بقناة «فوكس نيوز» التي بدأها من الصفر في 1996 بتكليف من صاحبها روبرت موردوخ، لتحقق أرباحاً طائلة تجازوت ما حققته قناتا «سي إن إن» و«إم إس إن بي سي» والصحف الإخبارية.

ليس ثمة حاجة لتذكير إيلز بذلك، حيث إنه وطاقمه، ومن أشهرهم بيل أوريلي وغلين بيك وسيان هانتي، ظلوا يشرفون على صعود القناة لسنوات مضت. ويتطلعون لتحقيق ربحية مستمرة، لكي تصبح صوتاً مؤثراً في السياسة الأميركية. وفوق ذلك، يسعون على الدوام لصياغة وسائل تستطيع القناة من خلالها أن تجعل كل ليبرالي يشعر بالسخط والامتعاض على رأس كل ساعة.

صداع مزمن لليبراليين
ومما دفع الدم حاراً في رؤوس الليبراليين تعيين المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس، سارة بالين، كمتعاونة منتظمة في «فوكس نيوز»، ويعتبر ذلك أحد انقلابات إيلز الناجحة، بغض النظر عما إذا كانت هذه ستسهم بفاعلية في الحوارات الناجحة التي تجريها القناة، فكل ما يفعله أوريلي وإخوته على الهواء هو تحقير الليبراليين، والتحذير من الكارثة التي ستسببها «أميركا أوباما». إيلز هو الشخص الذي يدفع دائماً أجندة القناة للأمام، وموردوخ هو الذي يدفع بسخاء نظير ذلك، ونذكر في هذا الصدد الأجر الذي قدمه لرئيس قناته العام الماضي، وبلغ 23 مليون دولار( أكثر بكثير من راتبه)، ذلك أن الرجل يتحمل نقدا كثيرا بدلاً عن القناة، حيث يوجه المشاهدون الذين لا يتحملون ما يجري أمامهم على الهواء نقدهم مباشرة لإيلز، ويصبون جام غضبهم عليه. وهذا ما فعله خبير العلاقات العامة اللندني، ماثيو فرويد، المتزوج بابنة موردوخ، حيث قال «أجد نفسي الشخص الوحيد في العائلة والشركة الذي يشعر بالغضب والخجل حيال ما يفعله إيلز، هذه الأفعال من شأنها أن تحط من المستوى الصحافي الرفيع الذي تتمتع به المؤسسة، وقد تحط من قدر مؤسسها أو أي مؤسسة دولية مماثلة، تتطلع لمستوى المؤسسة».

واستقطبت الانتقادات تصريحات من الناطق الرسمي باسم القناة الذي قال إن ماثيو يعبر عن نفسه، وإن آراءه لا تعبر عن آراء موردوخ، «الذي يفخر بإيلز وفوكس نيوز». وفي محادثة هاتفية، وصف إيلز عبارات فرويد بأنها «لا تعني له شيئاً»، وقال إن «تلك القصص التي تقول بأنني رجل مقضي علي إنما هي مجرد قصص مختلقة».

وكان إيلز اصطدم في الماضي مع عائلة موردوخ، فقبل سنوات تشاجر مع أكبر أبناء موردوخ، لاتشلان موردوخ، حول تشغيل المحطات التلفزيونية وكيفية إدارة الصراع الجاري بين «فوكس» وشركة «نلسين» حول التصنيف الإعلامي. ويدير لاتشلان بنفسه شركة استثماراته الإعلامية في أستراليا. ويعبر إيلز عن مواقفه مع عائلة موردوخ، فيقول «ليس لدي أي مشكلة مع هؤلاء الأطفال، ولم تكن عائلة موردوخ بالنسبة لي أي عقبة، بل إنها ظلت مساندة لي». ويقر بأنه اشتبك أيضاً مع اثنين من أبناء موردوخ، جيمس الذي يتولى منصباً كبيراً في المؤسسة الإعلامية، وإليزابيث التي تدير شركة إنتاجها اللندنية بنفسها.

اعتزاز بالانتماء
يفخر إيلز بأنه لا يذهب لحفلات البذخ في مانهاتن التي يؤمها علية القوم، وإنما يحتفل بكونه ابن عامل فقير في مصنع في أوهايو، ويشعر بانعدام الرابط بينه وبين طبقات الصفوة على الساحل الشرقي أو الغربي لأميركا، بل يفخر بأنه من وسط أميركا. ويقول «بنيت هذه القناة اعتماداً على خبرتي الحياتية. ومؤهلاتي الأساسية أنني لم أنضم لمدرسة الصحافة في كولومبيا».

كان إيلز في عمر 27 عاماً، عندما عمل باحثاً في برنامج تلفزيوني، وحانت له فرصة ليلتقي المرشح الرئاسي في ذلك الوقت والرئيس فيما بعد، ريتشارد نيكسون، واستطاع أن يقنع الرئيس المحتمل بأن «التلفزيون ليس سوى وسيلة تحايل سياسة»، كان ذلك في .1968 وقال له «إذا صدقت التلفزيون، فستيأس من الوصول إلى البيت الأبيض»، ولهذا السبب، عينه نيكسون في حملته الانتخابية.

وعندما صار مستشاراً لحملات رونالد ريغان وجورج بوش الأب، أصبح إيلز يخيف جميع الليبراليين. واكتسب سمعة كبيرة عن دوره في إفشال حملات المرشح الرئاسي مايكل دوكاكيس، من خلال الحملات الدعائية في التلفزيون، وفي المقابل، وضع بوش الأب في الطريق إلى البيت الأبيض.

أحس الديمقراطيون بارتياح بالغ، عندما أعلن إيلز في 1992 عزمه التخلي عن ممارسة عمله الاستشاري السياسي في الحملات الرئاسية، لكنهم فوجئوا به يفضل العمل في موقع يستطيع من خلاله أن يصبح أكثر تأثيراً ونفوذاً مقارنة بالحملات الانتخابية، وهو التلفزيون. فقد بدأ في إدارة «سي إن بي سي»، القناة الأميركية الأكثر نفوذا، وفيما بعد قناة «إم إس إن بي سي»، والتي تعمل على مدار الساعة، والتي تسهم فيها كل من مايكروسوفت و«إن بي سي». وفيما بعد استأجره موردوخ الذي كان هدفه أن تلحق قناته «فوكس نيوز» فقط بركب قناة «سي إن إن»، لكنه فوجئ عندما استطاع إيلز أن يقود القناة لتتفوق على منافستها، كما هو الحال اليوم.

سر المهنة
وبغض النظر عن سلوكه المحافظ وانتمائه للطبقة الأميركية الوسطى، يعتقد روجرز إيلز أنه يسطير على شيء يتعلق بالأخبار لا يتوافر لكثيرين ممن يعملون في المهنة نفسها، ويقول «كي تستقطب عدداً أكبر من المشاهدين، لابد أن تتوافر لديك ملكة الترفيه عنهم، أو أن تكون محرضاً ومفعماً بالأمل في آن واحد»، وليس الأمر مجرد «تكديس» للأخبار، كما تفعل بعض القنوات.

وبالنسبة لـ«فوكس نيوز»، فإن الأمر يتعلق بتحديد مشاهديها، والظهور إليهم بمظهر جذاب يلائمهم ويستجدي عواطفهم ومشاعرهم السياسية مباشرة، وذلك بوساطة تعيين أحد الكوادر الماهرة، لكي تشارك المشاهدين ميولهم السياسية على الهواء. ومهما يكن من أمر، فإن إيلز استفز كلا القناتين، «سي إن إن» و«إم إس إن بي سي»، وجعلهما تفكران في كيفية مجاراة «فوكس» ومحاولة التفوق عليها، حيث استطاعت الأولى استلاف بعض الحيل من كتابه، لتستضيف بعض المراسلين والمعلقين من الجانب الآخر من الطيف السياسي، والذين يستطيعون إبداء آرائهم بوضوح تام، لكنهم في الوقت نفسه لا يبدون أي تطرف في تلك الآراء، كما هو الحال مع نظرائهم من قناة «فوكس». وتعاملت «سي إن إن» مع تلك الصيغة، عندما عينت المعلق السياسي، لو دوباس، والذي ظل يعبر بحماقة عن آرائه فيما يتعلق بالمهاجرين وكون باراك أوباما نفسه أجنبياً، إلى أن فقدت القناة أعصابها فطردته قبل أسابيع قليلة.

 خوف في البيت الأبيض

من الدلائل على النفوذ الذي اكتسبته «فوكس نيوز» في هذه الأيام، تلك الجدية التي يتعامل بها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع القناة، حيث قال علناً إن تغطية القناة للسباق الرئاسي في 2008 جعلته يفقد نقطتين أو ثلاثاً في مراكز الاستفتاء، ويضيف «إذا شاهدت قناة فوكس، فإنني لن أقبل أن أصوت حتى لنفسي».

وبعد وصوله إلى البيت الأبيض، دخل أوباما في حرب مفتوحة العام الماضي مع «فوكس»، فقد استثناها من مقابلاته التلفزيونية، وتصاعد الأمر ليتمخض عن اجتماع سري في نيويورك في سبتمبر الماضي بين رئيس القناة روجرز إيلز وكبير مساعدي البيت الأبيض ديفيد إكسيلرود، لتهدئة الخواطر، ولم تتغير النبرة المعادية لأوباما على قناة «فوكس نيوز» إلا قليلاً، بعد أن تناول الجانبان القهوة.

ويبدو أن الخلاف بين البيت الأبيض وقناة فوكس يعود إلى الأيام الأولى من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عندما ألغى الحزب الديمقراطي مناظرة مهمة بين المرشحين تستضيفها قناة فوكس، بسبب دعابة من إيلز، الذي خلط عن قصد بين اسمي المرشح الديمقراطي آنذاك باراك أوباما وأسامة بن لادن، حينما قال «لا أدري ما أشيع من أن بوش تحدث مع الرئيس الباكستاني (السابق) برويز مشرف قائلاً له لماذا لا نعتقل هذا الرجل» يعني «أوباما». وألغى الحزب الديمقراطي المناظرة، لأنه يعتقد بأن القناة منحازة ضده وضد مرشحه. وعلق إيلز على ذلك قائلا «المرشح الذي لا يستطيع أن يواجه (فوكس) لا يستطيع أن يواجه القاعدة».

وقبل ثلاثة أشهر، سرت شائعة أن إيلز قد يترشح للرئاسة الأميركية في ،2012 بيد أن السعي نحو البيت الأبيض قد يبعده عن «فوكس»، وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة من عائلة موردخ لإيلز، أو مهما كان أجره كبيراً، فإن موردوخ لن يتخلى عنه أو يسمح بمثل هذه الأشياء أن تحدث.

أوباما دخل في حرب مفتوحة العام الماضي مع «فوكس». أرشيفية

تويتر