أنيس صايغ: مُفسد مؤامرة «سايكس بيكو»

رحل عن عالمنا في أحد مستشفيات عمّان المؤرخ والمفكر السياسي الفلسطيني أنيس صايغ، مخلفاً وراءه إرثاً غنياً من المؤلفات في المعرفة والثقافة والتاريخ والسياسة، ومخلفا مكانة مرموقة احتلها وسط النخبة ليس في فلسطين فحسب بل وفي عالمه العربي. وُلد أنيس صايغ عام 1931 في طبريا، وكان والده قساً إنجيلياً هاجر إلى فلسطين من سورية، وأمه مولودة في فلسطين لأب لبناني الأصل وأم فلسطينية. وإثر النكبة نزح مع عائلته إلى صيدا في لبنان، حيث أنهى الثانوية فيها ثم درس العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، ونشر مقالات صحافية عديدة، قبل أن ينال شهادة البكالوريس عام ،1953 ثم تابع الكتابه الصحافية في صحيفتي «الحياة» و«الأسبوع العربي» بعد تخرجه، ثم التحق بجامعة كامبريدج عام 1959 وحصل منها على الدكتوراه و في العلوم السياسية والتاريخ العربي، وعمل فيها أستاذاً، ثم عاد إلى بيروت عام 1964 والتقى بعد ذلك بعامين برئيس منظمة التحرير الفلسطينية أحمد الشقيري عارضاً عليه فكرة إنشاء موسوعة فلسطين، وكان له ذلك.

وكان صايغ (87 عاماً) مفكراً قومياً عروبياً بكل امتياز، وعلى الرغم من فلسطينيته فقد كان اهتمامه كبيراً ولافتاً بشؤون لبنان وتركيبته الطائفية، ومصر وفكرة القومية العربية فيها وتطور المفهوم القومي عند العرب عموما. وكان في الوقت ذاته يحمل شخصياً هوية لبنانية وأصلاً سورياً حيث نشأ نشأة قومية سورية لينتقل منها الى الميدان الأكثر رحابة وهو القومية العربية. وكان يردد بطرافة في اوساط محبيه انه بسيرته الذاتية وحياته الشخصية وممارساته اليومية، أبطل مفعول مخططات «سايكس ـ بيكو» لتقسيم بلاد الشام الى كيانات صغيرة بحدود مصطنعة، وأثبت عدم وجود تلك الحدود في رقعة شعبها واحد ومتآلف، فهو شديد الاعتزاز بتشابك انتماءاته في إطار عربي. كما يتحدث صالح مطولاً عن هويته المتعددة الوجوه في كتابه «مذكرات أنيس صالح» الذي يستعيد فيه المعالم البارزة من سيرته الذاتية والعائلية، ومساره الفكري والسياسي.

ومن أبرز وأهم ما يُحسب للصايغ  تعيينه رئيس«مركز الأبحاث الفلسطيني» خلفاً لشقيقه فايز صالح الذي وثق للذاكرة الفلسطينية. وكانت صدمته بمدى جهل الجامعيين والمتعلمين العرب بأبسط الحقائق والأمور عن القضية الفلسطينية، وتألمه الشديد لنقص معلوماتهم بشأنها، دافعاً قوياً له لإصدار كتابه «الجهل بالقضية الفلسطينية ».

وأسوة بغيره من المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين والعرب، اختلف صايغ بوضوح مع منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها الراحل ياسر عرفات، حول اتفاقات اوسلو، وكان يرى انها لم تكن كافية لاستعادة الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني.

وفي عام 1980 عُين مستشاراً للأمين العام لجامعة الدول العربية، ورئيساً لوحدة مجلات الجامعة، كما عمل مستشاراً لمشروعي الموسوعة العربية في دمشق وبغداد والموسوعة الفلسطينية الميسرة في عمّان. ونظراً لغزارة إنتاجه وخطورة مساهماته ودوره فلسطينياً وعربياً حاولت إسرائيل اغتياله اكثر من مرة، وأبرزها كان الرسالة المفخخة التي بترت أصابع يده وأثرت في نظره وسمعه، بالاضافة الى استهدافها مركز الأبحاث باعتداءات عدة، كان آخرها سرقة أرشيف ومكتبة المركز في بيروت عام .1982

وقد نال المفكر الراحل العديد من الجوائز منها وسام الاستحقاق السوري، ودرع معرض المعارف للكتاب العربي والدولي في بيروت، وسيف فلسطين رمزاً للصمود من الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين في دمشق .2006

تويتر