جدل حول تصريحات ساركوزي بشأن مسلمي فرنسا

مسلمون فرنسيون قبل أداء الصلاة في مسجد بلال في مرسيليا. رويترز

أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي جدلا واسعا في الأوساط السياسية، وسلطت الأضواء من جديد على الجالية المسلمة في فرنسا. وجاءت تصريحات ساركوزي بعد أيام من التصويت السويسري ضد بناء مآذن المساجد، الخطوة التي قوبلت باستنكار في العالم الإسلامي وبالاستغراب في أوروبا. وركز الرئيس الفرنسي في مقال نشر أخيرا في صحيفة «لوموند» على ضرورة إعادة تعريف «الإسلام الفرنسي»، وذكّر المسلمين في بلاده بواجباتهم وحقوقهم. وانتقدت المعارضة اليسارية هذا التوجه، وعبر قياديون ونشطاء في الحزب الحاكم عن انزعاجهم من التصريحات.

وحسب استطلاع للرأي، أجرته صحيفة «لوباريزيان» ونشر الخميس الماضي، فإن 54٪ من الفرنسيين لايجدون مشكلات في التعايش مع المسلمين. وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن الديانة الكاثوليكية، كانت نسبة الترحيب 82٪ ، وانخفضت إلى 72٪ بالنسبة للديانة اليهودية.

وجاء ذلك في سياق النقاش الواسع حول الهوية الوطنية، ويقوده وزير الهجرة إيريك بيسون الذي صرح بأن «النقاش جاء بدعوة من الرئيس ساركوزي، فليتحمل نتائجه». و على الرغم من أن عدداً قليلاً فقط من النواب في الجمعية الوطنية لحد الآن مهتمون بالنقاش الذي يبدو أنه يستهدف الأقليات، فإن التصويت السويسري فتح الأبواب على كل الاحتمالات، وربما ستتعرض الجاليات الإسلامية المقيمة في البلدان الأوروبية إلى مزيد من الضغوط.

في المقابل، يؤيد أعضاء في الحكومة النقاش، ويسعى بعضهم إلى فرض عقوبات ضد المهاجرين المسلمين. ولوحت وزيرة العدل الفرنسية، ميشال أليو ماري، بعدم منح الجنسية للشخص الذي «ترتدي زوجته لباساً يغطي جسمها بالكامل». ولم تؤكد الوزيرة ما إذا كان هناك اتجاه حكومي بحظر البرقع، وقالت إن لجنة برلمانية تدرس المسألة. واتهمت المعارضة القائمين على نقاش الهوية بتبنيهم للهجة عدائية. ودافعت وزارة الهجرة عن موقفها بالقول إن النقاش يستهدف بالدرجة الأولى المهاجرين وليس الإسلام، على الأقل في الوقت الراهن. وينتقد مراقبون تصريحات ساركوزي في هذا السياق من خلال وصف المسلمين بـ«القادمين الجدد»، في حين يعتبر الإسلام الديانة الثانية في فرنسا، يعتنقها ما بين ثلاثة ملايين و700 ألف شخص وستة ملايين شخص، حسب الإحصاءات الرسمية.

ويقول إمام مسجد ليون، كمال قبطان، «يطلب الرئيس من المسلمين أن يكون أكثر تكتماً»، مشيراً إلى إخفاء المظاهر التي توحي بأنهم مسلمون، مثل الحجاب واللحية وغيرها، مضيفاً «لا أعتقد أن ذلك هو الحل المناسب».

وفي سياق متصل، يقول المغني والمنتج الموسيقي الفرنسي، فيليب فراجيون المعروف باسم «أكينتتون» «إنها حقائق أكدتها الأرقام: احتمالات أن يخضع مواطن أسود للتفتيش في الشارع تزيد ست مرات عن الأبيض، والعربي ثماني مرات، ذلك هو الواقع في هذا البلد».

على الرغم من أن فرنسا لم تؤيد الموقف السويسري الأخير علناً، إلا أن ساركوزي دافع عن الديمقراطية في سويسرا، على الرغم من أن الاستفتاءات لا تعبر عن الرأي الحقيقي للشعوب أحياناً، كما يقول، مذكراً بوجود مشاعر مماثلة في دول أوروبية كثيرة، بما في ذلك فرنسا.

ويبدو أن الرئيس الفرنسي أقحم نفسه في سجال مع المنظمات الإسلامية والمعارضة اليسارية. فأحيانا ينادي بتجديد «الإسلام الفرنسي»، وتارة أخرى، يطالب المسلمين باحترام مبادئ وقيم البلد الذي يضيفهم. و«الإسلام الفرنسي» مصطلح سعت من خلاله فرنسا إلى إقناع المسلمين، على مدى عقود، بضرورة تكييف تعاليم الإسلام مع مبادئ العلمانية الفرنسية.

ولم يخف ساركوزي انزعاجه من انتشار بعض المظاهر الإسلامية، مثل المساجد والحجاب، وقال إن ذلك يؤدي إلى إخفاق في وضع أسس «الإسلام الفرنسي». ولم يتوقف الرئيس عند هذا الحد، بل ذهب بعيدا عندما طلب من أتباع الديانات المختلفة ممارسة عباداتهم في «تكتم وتواضع». ويرى ساركوزي أن مفهومي «الوطن» و«الجمهورية» بمثابة «ترياق» مضاد للشعبوية، وتفكيك المجتمع الفرنسي إلى مجتمعات صغيرة.

ويذكر أنه قال خلال حملته الانتخابية في .2007 إن أصول والده ليست فرنسية إلا أنه قبل بمبادئ الدولة الفرنسية، كما لايقبل فكرة «الاعتزال» التي يريدها بعضهم. وبين قبول الآخر ومهاجمة المسلمين، لم يتمكن ساركوزي من استمالة اليسار المعارض، أو إغراء اليمين المتطرف الذي لايقبل بوجود المسلمين أساساً.

تويتر