معركة الصحافيين المصريين

اكتسبت معركة انتخابات نقيب الصحافيين المصريين الجارية، والتي تحسمها جولة الإعادة غداً الأحد، أهمية متزايدة، كونها تمثل حالة فرز بين خيارين، ينتمي أحدهما للتغيير والاعتراف بالحقائق الجديدة في بلاط صاحبة الجلالة، ويمثله تيار الاستقلال، وتقف وراءه تجمعات من صحف حديثة ومستقلة وتيارات من قوى غير حكومية، وآخر ينتصر لفكرة الاستقرار والحفاظ على الوضع القائم مع بعض الرتوش والاحتفاظ بجسور قوية مع السلطة التنفيذية، تحت راية تسيير مصالح الجماعة الصحافية.

تأتي المعركة في مفترق طرق تعيشه الصحافة المصرية، حيث تصل الصحف الحكومية، المسماة بالقومية، إلى محطة نهائية حكمها منذ الستينات خلط ما بين المهنة والدعاية، وأصبح على هذه الصحف التطور أو الانزواء، فيما صعدت على المسرح الصحافة الخاصة والمستقلة، لكنها محمّلة بجملة شوائب، في مقدمتها محاولات توجيهها من رجال الأعمال لحساب مصالح معينة، والانحراف أحياناً لمستوى من الإثارة، تحت وطأة حمى المنافسة والتوزيع والخلط بين الإعلان والتحرير، والتعامل بنزق مع مساحات من الحرية، لم تكن متاحة في زمن الهيمنة الحكومية.

وتلتبس المعركة الجارية، وهذا ما يزيدها سخونة، مع الأوضاع السياسية المحيطة بمصر والمنطقة العربية، في ظل تصاعد دعاوى الإصلاح السياسي، وفي ظل إقبال مصر على معركتين برلمانية ورئاسية فاصلتين، أبسط نتائجهما تحديد الأفق السياسي للبلاد، وحسم السجال الدائر حول التمديد والتوريث، كما تشكل جزءاً من كل في معركة الجديد والقديم، على صعيد السياسي والفكري والثقافي والجيلي في كل الاتجاهات.

وبقدر ماتبدو المعركة محلية ومباشرة من الوهلة الأولى، بقدر ما تثير النقاشات الملازمة لها جروح شرقنا القديمة بشأن الاستبداد وحرية الصحافة والتعبير الحاضرة الغائبة والمؤجلة من زمن الكواكبي والنديم، وبقدر ما تفتح أفق أشواق أجيال الصحافيين العرب مجدداً وأحلامهم بعالم عربي جديد معزز بالضمانات والحريات التي تكفل لإعلامييه قول الحقيقة غير منقوصة، والحصول على المعلومة الدقيقة، وممارسة الحق في إخبار المجتمع عن نفسه من دون تزوير أو تزويق، وضمان كتابة الصحافي رأيه بحرية والعودة بعدها للنوم من دون خوف من جرسي المنزل والتليفون.

تشير التوقعات إلى أن معركة الغد ستكون أكثر من ضارية، خصوصاً أن الفارق بين المرشح الحكومي مكرم محمد أحمد ومرشح تيار الاستقلال ضياء رشوان لم يتعد 39 صوتاً لصالح الأول في الجولة الأولى، وخصوصاً في ما تواتر من أنباء عن تزايد حدة الاحتشادات المؤسسية، والعودة إلى فكرة استدعاء القوات المحمولة جواً الى المعركة (تعبير يطلق على نقل مؤسسات لصحافييها من الخارج إلى القاهرة للإدلاء بأصواتهم)، وتسارع ماراثون حل المشكلات المزمنة في البيت الصحافي، وغير ذلك.

يتبقى أنه بقدر ما يحلم المتابعون بأن تكون النتيجة لمصلحة مستقبل مهنة الصحافة وتحررها وحريتها، بقدر ما يتمنون أن يكون الأداء حضارياً وشفافاً ومحايداً، ومجسداً لتاريخ ناصع احتفظت به النقابة المصرية طوال انتخاباتها ضد التزوير، ليس فقط من أجل الاحتفاظ بمكانة الجماعة الصحافية المصرية والعربية، بل وأيضاً لدعم طموحات المجتمعات العربية التي كثيراً ما تعتبر النخب الإعلامية كتيبتها المتقدمة.

تويتر