الخوف يخيّم على المسلمين الأميركيين مجدداً

المسلمون الأميركيون عانوا من المضايقات كثيراً عقب هجمات سبتمبر.                    أ.ف.ب ــ أرشيفية

عادت أجواء الخوف لتسيطر على العرب والمسلمين الأميركيين مجدداً بعد حادث اطلاق الرائد الأميركي من اصل فلسطيني نضال مالك حسن، النار على زملائه العسكريين في قاعدة فورت هود في ولاية تكساس ما اوقع 13 قتيلاً، وأكثر من 30 جريحا. وهذه الأجواء ليست غريبة على المسلمين الأميركيين الذين عانوا منها طويلاً عقب هجمات 11 سبتمبر ،2001 حيث تعرضوا للتمييز والمضايقات والتهميش والمراقبة والتجسس على اتصالاتهم الهاتفية والبريدية والإلكترونية. ومهما كانت طبيعة الدوافع التي تقف وراء ما اقدم عليه حسن فإنه بلاشك سلط الضوء على حساسية العلاقة بين الأميركيين ذوي الأصول العربية ومجتمعهم، ومدى ثقته في هويتهم الوطنية وصدق انتمائهم للولايات المتحدة، الذي ظل موضع شكوك عميقة خلال أعوام حكم الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. وقد حذر الرئيس الأميركي باراك اوباما من مغبة التسرع والقفز الى النتائج قبل استيفاء التحقيقات الخاصة بالحادث، بينما قال محللون إن ما حدث يعتبر ضربة مؤلمة لسياسة اوباما الهادفة الى تحسين علاقات بلاده بدول العالم الإسلامي واصلاح ما لحق بها من ضررر كبير بعد سنوات من التوتر.

وقالت وزيرة الأمن الداخلي الأميركي جانيت نابوليتانو، إن وزارتها تعمل مع جهات رسمية أخرى بكل ما في وسعها للحيلولة دون تفجر موجة من العداء ضد الأميركيين العرب والإسلام في اميركا، لكن هذا لم يمنع جمعيات عربية ومنظمات اسلامية ناشطة من التعبير عن قلقها إزاء ردود الفعل على الحادث الذي قالت عنه انه مرفوض تماماً وليست هناك عقيدة دينية او سياسية تبرره، رغم ما تردد من أن نضال وهو طبيب نفسي في الجيش كان يتعرض للإساءات والسخرية من زملائه بسبب اصوله الشرق اوسطية وديانته.

وقالت شخصيات عربية أميركية ناشطة منها كامران ميمون من منظمة «مسلمون من أجل اميركا»، إن ما حدث يستحق التنديد لأنه شق صفوف المسلمين فهناك من يرى انه يجب ألا يكون هناك شأن بالخدمة العسكرية في صفوف القوات الأميركية المتورطة في حروب في بلدان اسلامية، بينما يرى فريق آخر ان العرب والمسلمين الأميركيين جزء من الشعب الأميركي ويجب ان يخدموا في تلك القوات وان يشاركوا بنشاط في التفكير النقدي والنقاش حول مختلف قضايا الأمن القومي.

ويقول نائب مدير معهد كيروان للدراسات العرقية في جامعة اوهايو، أندرو توماس، إن المتابعة الإعلامية لما أقدم عليه حسن، ركزت بشكل كبير على أصوله العرقية وديانته، الأمر الذي يغري سياسيين لاستغلال الحادث في تأجيج مخاوف من التطرف الإسلامي وهو الأمر الذي تنتظره أوساط اليمين الأميركي المحافظ، حيث كان لافتاً ان يصفه ممثل الادعاء بأنه «قاتل مملوء بالكراهية ومدفوع بمعتقداته الأيديولوجية».

وعلى الجانب الآخر ينظر كثير من مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الى وجود الجنود الأميركيين المسلمين في صفوف القوات الموجودة في العراق وأفغانستان، على أنهم رصيد كبير وثمين لأنهم جزء حيوي من الحملات العسكرية الهادفة الى كسب عقول وقلوب الشعوب في هذه البلدان ويعملون على تسهيل وانجاح مهمة تلك القوات. كما استبعد هؤلاء زيادة التوتر في صفوف الجيش بسبب ما حدث في قاعدة فورت هود التي اعتبروها حادثة معزولة ليس لها خلفيات سياسية أو دينية أو اجتماعية، وقالوا ان لكل جندي دوراً يؤديه مهما كانت اصوله وديانته أو خلفيته الاجتماعية، وان الجنود المسلمين يقومون بما هو مطلوب منهم على نحو جيد.

وذهبت قلة من الجنود في فورت هود الى القول إن زملاءهم المسلمين سيعيشون أياماً صعبة بعد ان اصبحت الأنظار مسلطة عليهم، وان صورة سلبية عنهم ستبقى عالقة في اذهان الناس لفترة. ويقول الناطق باسم العرب الأميركيين في الجيش راي هانانيا إن ما أقدم عليه الطبيب حسن سيفاقم حتماً مشكلة الأحكام المسبقة والمواقف النمطية الثابتة لدى الأميركيين. ويقول الضابط المسلم جيمس يي، في هذا الشأن «هناك حالة تمييز دائم ضد الجنود المسلمين والعرب في الجيش الأميركي ومشاعر مناهضة لهم وللإسلام متأصلة على ما يبدو في نفوس زملائهم الذين يميلون الى التعبير عنها من خلال السخرية من أصولهم العرقية وديانتهم، ولا يمكن اغفال هذا عند الحديث عما حدث في فورت هود، ولا ينبغي التسرع في اصدار الأحكام او القفز الى النتائج». ويضيف جيمس يي أن الحادث المذكور ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير، وان لدى كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين اجابات لمعظم التساؤلات التي تثيرها هذه الحوادث. ويشير إلى أن هناك 18 حالة تم تسجيلها في قاعدة فورت هود تتعلق بجنود اعترفوا بخضوعهم لدروس في التطرف المسيحي على يد عناصر عسكرية تحاول الترويج للحربين الدائرتين في العراق وافغانستان على انهما حملات صليبية ضد الإسلام. ويؤيده في ذلك المحامي السابق في الجيش والمستشار في البيت الأبيض مايكي وينشتاين الذي يقوم بحملات ضد التطرف المسيحي، حيث يقول «ان (فورت هود) واحدة من أكثر بؤر التوتر وأسوأ القواعد العسكرية الأميركية داخل الولايات المتحدة وخارجها».

من جهته، قال المعهد العربي الأميركي الذي ادان الحادث، إنه تلقى مكالمات تحمل تهديداً وانه يتوقع المزيد وان على العرب والمسلمين الأميركيين الاستعداد لإمكان تعرضهم لعنف لفظي او بدني.

ويرى روبرت سلام الضابط السابق في مشاة البحرية الأميركية (المارينز) الذي اعتنق الإسلام بعد 11 سبتمبر 2001 انه لا شأن للجنود المسلمين بهذا الحادث الفردي الذي لا يعكس سلوكهم العام، وأيده في ذلك الجندي المسلم جيمس بوث الذي قال انه اصيب «بالصدمة والذعر»، حينما علم بما حدث في «فورت هود»، لكنه أضاف «لست خائفاً من تداعيات ذلك، وعلى زملائي المسلمين التجاوب معها بهدوء وعقلانية». كما ألمحت منظمة اسلامية مقربة من الحزب الجمهوري إلى وجود من وصفتها بـ«أيديولوجية متطرفة» وراء الحادث، بينما ألمحت وسائل اعلام يمينية منها شبكة تلفزيون «فوكس نيوز» الى وجود دوافع دينية. ومن جانبها ربطت صحيفة «نيويورك تايمز» بين ما قام به حسن ورجل الدين السلفي اليمني انور العولقي المعروف بآرائه المناهضة للسياسة الأميركية، وقالت ان اتصالات جرت بين الرجلين خلال العامين الماضيين.

ويقول مدير مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية الدكتور نهاد عوض، ان المسلمين هم اكثر الفئات الدينية في اميركا عرضة للتمييز، رغم تراجع نسبة الأميركيين الذين يرون الإسلام ديناً يحرض على العنف، وان الإنجيليين البروتستانت البيض الذين يمثلون القاعدة العريضة للحزب الجمهوري هم الأكثر ميلاً الى هذا الاعتقاد. كما ازدادت اوضاع المسلمين الأميركيين سوء بعد صدور قانون مكافحة الإرهاب الذي منح السلطات الأميركية صلاحيات واسعة لتعقب المشتبه فيهم، الأمر الذي دفع منظمات حقوقية الى اعتبار ذلك انتهاكاً صارخاً للحريات المدنية.

ومما لاشك فيه ان منظمات يهودية متطرفة وجماعات يمينية اميركية موالية لإسرائيل تعمل حالياً بكل ما اوتيت من قوة لتوظيف حادث فورت هود للمضي قدماً في تشوية صورة العرب والمسلمين الأميركيين والتحريض على التمييز ضدهم والترويج لثقافة الكراهية والعداء ضد الإسلام بزعم محاربة التطرف والإرهاب.

تويتر