جبهة لمعارضة وصول بليـر إلى رئـــــــاسة أوروبا

بلير أصبح على مفترق طرق مع القادة الأوروبيين. غيتي

يبدو أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ومستشارة ألمانيا أنغيلا ميركل بددا حلم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في ان يصبح أول رئيس لأوروبا، بعد ان يتم استحداث هذا المنصب بموجب معاهدة لشبونة التي جاءت خطوة جديدة على طريق تقوية مؤسسات الاتحاد الاوروبي وتعزيز اللحمة والتكامل بين أعضائه. وفي ختام القمة الاوروبية الاخيرة التي استمرت يومين في بروكسل كانت مبادرة بلير ومساعديه لترشيحه للمنصب في صلب مناقشات مستفيضة بين ساركوزي وميركل اللذين وجها صفعة قوية لهذه المبادرة واتفقا على تفضيل اختيار مرشح من إحدى الدول الصغيرة بدلاً من بلير

وعلى الرغم من ان ساركوزي وميركل لم يفصحا عن اسم المرشح الذي يرغبان فيه فهناك مسؤولون ألمان، قالوا إن ميركل ترغب في أن يكون المرشح من دول الاتحاد الاوروبي الصغيرة.

وأبلغ ساركوزي الصحافيين في بروكسل بأن في ذهنه مرشحا معينا ومختلفا للمنصب وليس من الضروري ان يُختار رئيس أوروبا من بين قائمة المرشحين المعروفة، وأنه اتفق مع المستشارة ميركل على التنسيق والتعاون في هذا الشأن وأن تدعم ألمانيا وفرنسا معاً المرشح ذاته الذي يتم الاتفاق عليه، ومن الضروري ان تسيرا معاً بكل انسجام في هذا الطريق.

وتقول «الاندبندت»، استناداً الى مصادر مقربة من المناقشات، فإن تعليقات ساركوزي بشكل خاص كانت جارحة لأنه كان من المشجعين المعروفين جيداً لبلير ودافع بقوة عن ترشحه للمنصب منذ سنتين، لكن غياب بريطانيا عن عضوية منطقة العملة الأوروبية الموحدة «اليورو»، ومعاهدة شينغن بشأن الحدود المفتوحة، من العوامل التي تم احتسابها عقبات ضد بلير.

ويعتقد دبلوماسيون أوروبيون أن ميركل تبحث عن مرشح مناسب لرئاسة أوروبا من إحدى الدول الصغيرة الاعضاء في الاتحاد، وأن دولاً كثيرة في الاتحاد تشاركها الرغبة في ان يكون معظم تركيز المرشح في قضايا الاتحاد وشؤون مؤسساته أفضل من كونه شخصية سياسية مهمة ولامعة على المسرح العالمي. ليس هذا فحسب بل إن رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون اعترف بأن فرص بلير في الحصول على المنصب كانت ضئيلة ولم تكن جيدة، وقال «أعترف بأن هناك مرشحين يتميزون بالقدرة على المنافسة، لكني أعتقد أن بلير سيبقى مرشحا ممتازا»، ومن ابرز المرشحين واقواهم رئيس وزراء لكسمبورع جان كلود جونكر، ورئيس وزراء هولندا جان بيتر بالكينيدي، وكلاهما من الدول الصغيرة. وطبقاً لخبير في الشؤون الأوروبية فإن فرنسا وألمانيا أكبر وأهم عضوين في الاتحاد الأوروبي أجهزا على مشروع بلير، وأن البريطانيين ارتكبوا أخطاء كثيرة لكن الخطأ الأكبر كان مباشرة بلير حملته دون إبلاغ ميركل أو اعتبار موقفها ورأيها. من جانبهم، حث دبلوماسيون بريطانيون أمضوا أكثر من 30 عاما في خدمة مؤسسات الاتحاد الأوروبي على توخي قدر كبير من الدبلوماسية واللين في التعامل المسألة، بينما طلب بلير من مساعده جوناثان بويل الذي كان كبير موظفيه أثناء وجوده في السلطة، جسّ المزاج الدبلوماسي العام، كما طلب من أصدقائه إرسال الاشارات بأنه قد يخوض المعركة الحاسمة لترشيح نفسه لرئاسة أوروبا . كما تردد أن براون وضع مستشاره للشؤون الاوروبية جون كونليف والسفير البريطاني لدى الاتحاد الأوروبي كيم داروتش في حالة استعداد لدراسة المزاج الاوروبي العام حول مسألة ترشح بلير، بينما انهمكت الحكومة البريطانية بكل أطقمها وطاقتها أثناء القمة الاخيرة في ما يعرف باسم «دبلوماسية الهاتف» التي لم تكن مرغوبة في «الكواليس» والممرات الأوروبية. وأجرى وزير الخارجية ديفيد ميليباند مقابلات عدة تحدث فيها عن مؤهلات بلير وجدارته بالمنصب. كما تحدث براون نيابة عن سلفه بلير أمام قادة الاحزاب الاشتراكية الاوروبية قائلاً لهم، إنها «فرصة فريدة لتحقيق تقدم من خلال الحصول على سياسي تقدمي قدير لمنصب رئيس اوروبا»، ولكن رغم هذه الحملة المكثفة بدأ يتزايد الشعور لدى الدبلوماسيين البريطانيين بأنها لم تحقق المطلوب، وأن فرص ترشيح بلير للمنصب ضعيفة، واعترفوا بأن آماله تخبو في معركة صراع أمام العالم بين مصالح بريطانيا ومصالح أوروبا».

وأبلغت ميركل الصحافيين الالمان في بروكسل بأن هذه مسألة، ورغم انها تحظى باهتمام كبير إلا انها حلّت نفسها بنفسها بعد موقف رئيس الوزراء الاسباني جوسيه لويس ثاباتيرو الذي خاض المعركة نيابة عنها قائلا، إن القوى الاشتراكية في اوروبا حصلت على ثاني أرفع منصب في الاتحاد الاوروبي، وهذا يعني ان منصب رئيس الاتحاد الاوروبي يجب ان يكون من نصيب المسيحيين الديمقراطيين الممثلين بالمرشحين بالكينيدي من هولندا وجونكر من لكسمبورغ. ومن خلال أخطاء القائمين على حملة بلير تبلورت جبهة مناهضة بهدف إحباط الحملة من خلال كشف تلك الاخطاء وفي مقدمتها التحرك البريطاني دون التنسيق المسبق مع باريس وبرلين وتجاهل الدول الصغيرة الاعضاء في الاتحاد .

 بريطانيا تكبو
إذا اتضح من مجريات و«كواليس» القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل انتهاء حلم بلير غير المعلن في رئاسة أوروبا، فإنه ينبغي على كل منا التساؤل حول ما اذا كان هذا الرجل يريد هذا المنصب حقاً أم لا. وتبدو حملته التي تعتورها أخطاء عديدة مناورة لاستبعاده عن المنصب مقابل اسناد ثاني أرفع منصب في الاتحاد الى وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند باعتباره من الاشتراكيين. ومما يثير العجب أن براون ووزير خارجيته باشرا تحركا مبكرا لمصلحة بلير وقبل وقت كثير من المصادقة رسمياً على معاهدة لشبونة. كما أنه لم يكن من الصعب اكتشاف أن الآراء الفردية للدول الصغرى الاعضاء في الاتحاد لم تكن تعكس قناعتها بصفات بلير وشمائله، فلماذا لم يقم الدبلوماسيون البريطانيون بتمرير هذه الرسالة الى لندن؟ وإذا كان تم تمريرها بالفعل فلماذا تجاهلت بريطانيا حكومة ودبلوماسيين مضمونها وآثارها؟

هناك تفسير يبدو قريباً الى المنطق وهو أن وزارة الخارجية البريطانية قد تكون قننّت جهودها الدبلوماسية وصممتها على أساس الوصول الى هدف تولي ميليباند ثاني أرفع منصب في الاتحاد وليس وصول بلير الى رئاسة أوروبا. ورغم مضي 21 عاماً على وجود حكومة عمالية في سدة الحكم إلا أن هذه الحكومة لم تستطع حتى الآن بلورة صورة متكاملة وصحيحة عن كيفية وآلية عمل الاتحاد ومؤسساته لتبدو صورة آلة الدبلوماسية البريطانية التي وصفت ذات يوم بأنها سيارة «رولز رويس» أقرب ما تكون الى محاولة تأهيل سيارة متهالكة «سكراب».

تويتر