أشواك الصحافة

لم تضف كثيراً الرسائل التي نشرتها صحيفة الحياة اللندنية الأسبوع الماضي، والتي كتبها الصحافي المصري الراحل مصطفى أمين من السجن، بعد اتهامه بالجاسوسية، إلى شقيقه علي في لندن، والتي قال فيها إن ما جرى جزء من خطة، وإنه «تم بمعرفة عبدالناصر ورجاله».

فمصطفى أمين، وغداة القبض عليه عام ،1965 وفي رسالة تاريخية إلى عبد الناصر استغرقت أكثر من 62 صفحة، نشرها هيكل في كتابه «بين الصحافة والسياسة»، قال ما هو أبعد وأكثر من ذلك، سواء عن تفاصيل علاقته الخاصة بالجهاز السياسي والدبلوماسي والاستخباري الأميركي، منذ كان طالباً في جامعة جورج تاون في الثلاثينات، أو بشأن اطلاعه عبدالناصر شخصياً أو سامي شرف وصلاح نصر يوماً بيوم على نتائج اتصالاته.

كان مصطفى أمين- رحمه الله- نموذجاً مبهراً للصحافيين المصريين والعرب، المتفقين مع آرائه السياسية، أو المختلفين. فقد عاد الرجل من الولايات المتحدة في مطلع الأربعينات ليدق المسمار الأخير في نعش صحافة الرأي والمناظرات والإنشاء والرطانة، ليؤسس محلها صحافة الخبر والصورة والتحقيقق الاستقصائي، وقبلها المعلومة، أو على الأقل ليجعل لهذه العناصر السيادة في الصحيفة، وقد كانت تجربة «أخبار اليوم» عام 1946 شبيهة بالتجارب الجديدة في الصحافة الحالية بالوطن العربي: تنقدها وتلعنها، لكن لابد أن تقرأها.

لهذا السبب، لم يصدق الصحافيون والقراء الخبر عندما أعلن عن القبض على مصطفى، واتهامه بالتجسس لمصلحة أميركا، ولم يصدقوا أيضا أن ظاهرة «الأخوان أمين-علي ومصطفى» هي برمتها محض مؤامرة، وأنّ خلف كل اللافتات الجذابة والتحقيقات الجريئة التي تدعو للإعجاب نوايا شريرة ترتب وتخطط، وظل هؤلاء، على الرغم من الحملة الإعلامية الواسعة التي اطلقتها مصر عبدالناصر وقتها أسرى لصدمة الدهشة الأولية. هل يُعقل ان تكون الخدعة بكل هذا الترتيب؟

سؤال آخر، وربما أهم، شغل الملايين التي تربت على كتابات مصطفى أمين وقتها.. حسناً، إذا كان الرجل في بدايته أشبه بالجاسوس المزدوج، كما قال، وكان عبدالناصر على معرفة باتصالاته ليستخدمها لمصلحة مصر، فما الذي حدث، ومتى وكيف حدث لتنقلب الآية؟ ألا يمكن أن يكون في القصة هوى سياسي؟وما المعيار الفاصل بين البطل الوطني والجاسوس في لعبة من هذا النوع ؟ وأين كان حسنين هيكل المعروف بحدة ذكائه في هذه الدائرة، وقد كان الرجل الثالث في صحافة «الأخوان أمين»، وعمل معهما 15 عاماً متتالية، وكان يجمعُ ثلاثتهم أسبوعياً «لقاء الثلاثاء» مهما كانت الظروف؟

توقع قراء جريدة الحياة أن تجيب «خبيئة» رسائلها الجديدة عن شيء من هذه الاسئلة المؤرقة لكل من لامسوا أرض بلاط صاحبة الجلالة، أو كانوا خارجها، والوثيقة الصلة بعصب الوعي العربي، لكن يبدو أن كنوز الأسرار العربية الحقيقية لها حراس، وان آليات الحجب والبوح ليست متروكة مشاعا للحظة جرأة أو حلم شفافية.

تويتر