فشل الدبلوماسية الأميركية يعني التسليم بـ«إيران نووية»
إيران ترفض التخلي عن تخصيب اليورانيوم على الرغم من الترغيب والترهيب الدولي. أ.ف.ب
قال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إنه يعتقد بأن إيران تحاول إنتاج أسلحة نووية، وإن خيار الحوار معها لن يبقى مفتوحاً إلى الأبد، ودعاها إلى الرد على المبادرات الدبلوماسية الأميركية حتى شهر سبتمبر المقبل.
وسبقته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الأسبوع الماضي بالحديث عن استعداد الولايات المتحدة لتوفير «مظلة دفاعية» أميركية للدول الصديقة في الشرق الأوسط، فور امتلاك إيران أسلحة نووية، الأمر الذي اعتبره حلفاء ومحللون «خطأ واضحاً». واعترف مسؤولون أميركيون في مجالسهم الخاصة بأنه كان خطأ مماثلاً لما حدث في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، حينما أكد وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت دين أتشيسون أن بلاده لن تدافع عن كوريا الجنوبية في حال تعرضها لهجوم شيوعي من الشمال، وبعد عدة أشهر غزتها كوريا الشمالية، ليستغرق الأمر ثلاث سنوات، ونحو 40 ألف قتيل لوقف تلك الحرب الكورية.
محللون قالوا إن ما قالته كلينتون يعطي إشارة قوية واضحة بأن إدارة الرئيس باراك أوباما قد تكون مستعدة لتقبل إيران المسلحة نووياً، وأن الولايات المتحدة يمكنها احتواء هذا الخطر بنظام صاروخي دفاعي مضاد في الشرق الأوسط ، إضافة إلى أنه يمكنها قطع وعد لحلفائها الإقليميين بتوجيه ضربة نووية قوية لإيران إذا ما أطلقت أي سلاح نووي، لكن مساعدين لكلينتون قالوا إنها لم تقصد كل هذا.
الوعد الأميركي
ويشبه الوعد الأميركي بتوجيه ضربة نووية لإيران استراتيجية «التدمير الشامل والمتبادل» التي انتهجتها واشنطن لاحتواء الاتحاد السوفييتي السابق، وسيكون انعكاسا لمفهوم «المظلة النووية» التي توفرها حالياً أميركا لحلفائها في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وكذلك لليابان وكوريا الجنوبية، وإذا استنفدت إدارة أوباما كل آمالها المعلقة على جهودها الدبلوماسية لإقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي أو تجميده لفترة طويلة على الأقل، فلا شك أن ذلك سيكون مبعث سعادة غامرة لإسرائيل، وحافزاً كبيراً لها لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية ليغرق الشرق الاوسط في حرب جديدة قد تكون شاملة. فهل تبدو هذه هي النتيجة المنطقية لفشل المساعي الدبلوماسية الاميركية؟ فإسرائيل ليست مستعدة على الاطلاق للقبول بإيران ذات القوة النووية كما قد يكون اوباما مستعداً لقبولها، لأن مسألة وجودها من الأساس على المحك واصبحت موضع تساؤل، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد التي قال فيها انه «ما كان يجب ان تكون اسرائيل موجودة، وانه لا بد من ازالتها عن الخارطة».
الرد على التصعيد
واذا ما اقدمت الولايات المتحدة على اقامة شبكة نووية تغطي الدول العربية المجاورة لايران، فإن الاخيرة قد تزداد لديها الرغبة في الرد على هذا التصعيد من الجانب الاميركي، وقد تبدو فكرة المظلة الاميركية جيدة وجذابة على الورق، لكن امتلاك ايران للقوة النووية قد يؤدي الى سباق للتسلح في الشرق الاوسط، والذي حذر اوباما من انه «ستكون له أضراره الكارثية»، وفي الوقت نفسه فإن مثل هذه المظلة قد تساعد في اقناع الدول العربية بعدم السعي الى تطوير وامتلاك اسلحة نووية. وإذا كان اوباما جادا في اقامة هذه المظلة، ينبغي عليه الاسراع والمبادرة الى ذلك في الحال، قبل ان تستكمل ايران حلقات عملية تخصيب اليورانيوم، والعمل على تأمين دعم شامل من الحزبين في الكونغرس لمثل هذا الالتزام العسكري الاميركي على المدى البعيد، ذلك لاقناع الدول العربية بأن الولايات المتحدة ستكون مستعدة للرد على أي هجوم نووي، ويبدو أن أوباما ليس قادراً على تحقيق هذين الامرين قريباً، وربما انه غير قادر على الاطلاق. وعوضا عن كل هذا فإن اوباما يحتاج الى الارتقاء بجهوده الدبلوماسية وتكثيف الضغوط على إيران والدول التي تقدم لها العون والامكانات، خصوصاً روسيا والصين، والعمل على تبني عقوبات أشد بحيث تتزامن وتتضافر مع جبهة دبلوماسية عريضة موحدة، لمنع ايران من تعريض الشرق الاوسط للخطر. كما جاءت المظاهرات الاخيرة التي شهدتها ايران عقب الانتخابات الرئاسية الاخيرة، لتؤخر الجهود الاميركية للحوار والمساعي الدبلوماسية، لكن محللين يقولون ان اوباما حينما طرح فكرة الحوار أخذ في اعتباره جميع الاحتمالات، سواء اسفرت الانتخابات الايرانية عن بقاء نجاد في السلطة او نجاح مرشح آخر. كما يجب علينا ألا نتجاهل أن الاحداث الاخيرة في إيران هيأت فرصاً كبيرة للتغيير فيها على المدى البعيد، حيث بدأت الشقوق تظهر في جدار الطبقة العليا من - الملالي و آيات الله - رجال الدين، وكذلك في صفوف الحرس الثوري الذي اهتزت صورته بقوة داخليا وخارجياً، بعد قمعه الوحشي للمتظاهرين من انصار الاصلاحيين والمرشح الرئاسي الخاسر مير حسين موسوي.
تعديل السياسات
لكن فريقا من المراقبين يذهب الى القول إن بقاء احمدي نجاد اربع سنوات أخرى في الحكم يتيح فرصة لتغيير كثير من الممارسات والقرارات وتعديل السياسات والاستفادة من أخطاء الفترة الماضية، والتوجه بانفتاح اكبر نحو الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة، بمباركة المرشد الاعلى علي خامنئي ومساندته في مواجهة التيارات المنافسة الأخرى من المحافظين والاصلاحيين. واذا اختار الغرب الابقاء على الحوار والاتصالات مع ايران، فقد يجد لفتات ايجابية من احمدي نجاد تجاه مساعيه الدبلوماسية لتسجيل النقاط في المواجهة ضد خصومه من المعارضة إضافة إلى ان هذا الحوار - وبغض النظر عن كل الاعتبارات - سيقدم أملاً حقيقياً الايرانيين في التغيير، لكن اصواتا داخل ادارة اوباما تدعوه الى التخلي عن الحوار مع ايران، قائلين ان السياسات التي تم انتهاجها لعزلها دبلوماسياً أثبتت جدواها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news