صحافة.. وسياسة

ساعات قليلة ربما وتعود الصحافية الأميركية من أصل إيراني ـ ياباني روكسانا صابري إلى منزلها بعد أيام عنوانها «الله لاتعودها» قضتها وراء الشمس في السجون الإيرانية بتهم مختلفة.

من تابعوا أحداث واقعة روكسانا ـ حتى من توخى منهم أقصى الدقة ـ لم يفهم شيئا، فقد اتهمت في البداية بالجاسوسية، وصدر بعدها الحكم عليها بالسجن ثماني سنوات، ثم قامت قيامة العالم الغربي فردت السلطات الإيرانية ببيانات حادة اللهجة عن عدم سياسية الواقعة واستقلالية القضاء، لكن لم تمر أيام إلا وأعلنت الرئاسة الإيرانية وشخصيات تنفيذية أخرى عن «توجيهاتها» بضرورة «مراعاة تنفيذ القانون بأقصى درجة» في استئناف صابري وإعطائها «ضمانات كافية للدفاع عن نفسها»، ثم فجأة تغيرت التهمة من «الجاسوسية» الى الاحتفاظ بـ«معلومات مبوبة» ـ وهي لفظة غامضة بل ربما مضحكة لا تعرف سبب جرميتها ـ ثم خفض الحكم إلى عامين وانتهى الأمر بالإفراج عنها في 11/5/.2009

لا يحتاج القارئ إلى أن أرصّ له طابور المنظمات الحقوقية التي تحركت وراء روكسانا وفي مقدمتها العفو الدولية ورايتس ووتش ولجنة حماية الصحافيين، ولا التحركات الدولية التي توالت بعد اطلاق البيت الأبيض وخارجيته الشرارة ـ وهذا أمر طيب عموما ولمصلحة حرية الصحافة والتعبير، «لكن المنغصة» هنا هي غياب هذا الحشد من حالات موازية قتل فيها الصحافيون على قارعة الطريق ولم تتحرك هذه المنظمات، ووضوح التباسات السياسي والقانوني ومضي قصة روكسانا الى مساحات ابعد كثيرا مما هو إعلامي ومهني.

محللون بلا ارتباطات ـ أرجعوا «قصة روكسانا» ـ الى محاولة ايرانية لإطلاق دبلوماسييها الثلاثة المعتقلين في العراق منذ،2007 واخرون اعتبروها جزءا من لعبة الشطرنج الجارية بين الرئيسين نجاد وأوباما، أما نيويورك تايمز فاعتبرت ان القصة جزء من صراع المحافظين والإصلاحيين داخل إيران.

بغض النظر عن صحة هذا التحليل أو ذاك، فإن شيئا ما جرى وراء الكواليس، شيئا يبعث على الأسى لانسيابية الحدود في بلداننا بين السلطات وانعدام المؤسسية وازدواجية المعايير الأميركية من جانب، كما يذكر من جانب اخر بحقل الألغام الشائك المحيط دوما بعالم صناعة الأخبار ـ وبعبارة الإعلامي الأميركي جيمس رستون بأن الصحافيين، كل الصحافيين ليسوا بحاجة إلا إلى بعض من معايير بوليسية صارمة لاعتقال أي منهم في لحظة بتهمة الجاسوسية..
alayak2005@yahoo.com

تويتر