هبة ونادين

هبة العقاد ووالدتها ليلى غفران-أرشيفية

بإحالة المتهم في قضية مقتل هبة (ابنة المطربة ليلى غفران) ونادين خالد في مصر إلى المفتي؛ أسدل الستار تقريباً على واحدة من أهم القضايا الجنائية التي كشفت ليس فقط ما وصلت اليه حال الجريمة في المجتمعات العربية، بل الواقع الملتبس والضبابي الذي انتهت إليه الصحافة العربية بشأن حدود مهمتها والتزاماتها.

فقد خلط قطاع في الصحافة المصرية، عند تغطيته القضية، بين مفاهيم التحقيق الصحافي ونظيره الجنائي، ونشر مدفوعاً بشهوة التوزيع والسبق قصصاً خيالية ومجهّلة وغير طيبة (بل غير حقيقية) عن الفتاتين، ثم اضطر المجتمع الصحافي المصري ممثلاً في نقابته ـ استجابة للرأي العام ـ إلى اصدار بيان سُمي بـ«مشروع الاتفاق والمصالحة»، اعتذر فيه باسم أقسام صحافة الجريمة «عن الأخطاء التي شابت معالجات الحادث ولم تلتزم بالقواعد المهنية التي تنتهك حقوق المواطنين وكرامتهم»، كما عدد البيان، في شجاعة وشفافية تحسبان لكاتبيه، الأخطاء الصحافية المرتكبة، وأبرزها «اللجوء إلى مصادر مجهلة» و«نقل وقائع مشوهة ومبتورة ومختلقة» عن الفتاتين، و«تمرير روايات قصد أصحابها التمويه» و«افتقار الصحف للمراجعة القانونية للمواد المنشورة»، و«خروج الصور المنشورة عن قواعد اللياقة». وانتهي البيان إلى وعد بإصدار مدونة باسم «هبة ونادين» تصبح مرجعية للتغطية الإعلامية في الحوادث المقبلة.

الحاصل أن ما حدث في واقعة هبة ونادين ليس استثناء، وإنما أقرب للسلوك العام في فضاء الجماعة الصحافية العربية، ومرده أسباب كثيرة بعضها خاص بتجاوز المواثيق، لكن بعضها الآخر خارج قصة صحافة الجريمة ذاتها، مثل تحول المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي العربي، إلى «محميّات» لا يجوز الاقتراب منها أو التصوير، أو واقع «التصحر المعلوماتي»، مما ولّد شبقاً لدى الصحافة والصحافيين لتوليد «قصص صفحة أولى» من حكايات الجريمة، خصوصاً لو ارتبطت الأخيرة بمشاهير، أو شابها شيء يثير الفضول.

يظل الصحيح هو ما يصح، فحياة الناس الخاصة ليست مجالاً للاستباحة، وفي ملكوت صاحبة الجلالة هناك «خارطة الطريق» الواضحة التي لا ترى في «صحافة الجريمة» أكثر من ناقل ـ بضوابط مضنية ـ للقصة، هذه الضوابط التي وصلت في تفسير بعض التشريعات إلى تجريم توصيف صحافي لشخص حُكم عليه نهائياً في قضية جاسوسية، بـ«الجاسوس»، أو توصيف لفتاة ادينت في قضية رقيق أبيض، بـ«فتاة ليل»، فما بالك لو كان الأمر لايزال في طور «مشتبه فيه» أو «منسوب إليه» أو «موقوف» أو «متهم» لم يثبت بعد إدانته.


alayak2005@yahoo.com

تويتر