الحرب علـى غـزة لن تجلب الأمان لإسرائيل

جنود إسرائيليون يستعدون للتحرك في إطار الاجتياح البري. أي.بي. ايه

في الوقت الذي تحاصر فيه القوات البرية الإسرائيلية مدينة غزة تواجه قادتها العسكريين معضلة تتمثل في كيفية الزحف نحو الأزقة المميتة للمدينة، حيث تتربص بهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالكمائن والقناصة.

وفي كل يوم يمر تصبح حرب إسرائيل ضد حماس محفوفة بالمخاطر أكثر، في الوقت الذي تتآكل فيه المكاسب التي حصل عليها الجيش الإسرائيلي في الميدان وترتفع الكلفة الأخلاقية في ما يتعلق بخسائر المدنيين الفلسطينيين وتتلاشى آمال العالم في حل قريب لصراع قديم.

وفي حرب ينقل أحداثها التلفزيون يحلم الإسرائيليون في ان يرى العالم استسلام قادة حماس، خارجين من ملاجئهم الحصينة تحت الأرض رافعين أيديهم، بيد أن صورة القتلى (الشهداء) الـ40 في مدرسة تديرها الأمم المتحدة ستظل الصورة السائدة والمطبوعة في ذهن الأسرة الدولية.

ويعلم الساسة الإسرائيليون أن إبادة القيادة العسكرية لحماس والمتخندقة تحت الأرض يحتاج لأسابيع طويلة من القتال المرير، وقد يكون ذلك مستحيلاً أيضاً، إذن فالمحصلة النهائية ستكون غير مقنعة، والتي تتمثل في الوصول إلى هدنة تصبح حماس من خلالها جريحة، لكنها باقية على قيد الحياة ويمكنها أن تستعيد عافيتها على مر الزمن في الوقت الذي تضمن فيه إسرائيل فقط هدوءاً إلى حين.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك قد وعد «بحرب مرة إلى النهاية». بيد انه وبعد 60 عاماً من الصراع المرير من أجل حماية الوجود الإسرائيلي من التهديدات الأجنبية المحيطة به يتساءل معظم الإسرائيليون عن نهاية تلك الصراعات. وتمثل حماس فقط التحدي الأهم في تلك التي تنتظر إسرائيل، وتلقي ظلالا قاتمة عن مدى بقائها في الوجود كـ«دولة ديمقراطية يهودية». قد يساعد الهجوم على غزة إضعاف قدرة حماس على إطلاق صواريخ على جنوب إسرائيل، ولكن وكما حدث في حرب لبنان عام 2006 فقد أثبتت التجارب أن القوة لا يمكنها إطفاء الجذوة المتقدة لايدولوجيا الجماعات المسلحة الفلسطينية.

ويخشى اسرائيليون كثر من القنبلة الفلسطينية السكانية المقبلة، حيث إن الأمر الأكثر احتمالاً هو أن يطغى عدد العرب على اليهود في الأراضي الممتدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وفي هذه الحالة لا يتبقى أمام السكان اليهود سوى خيارين: العيش داخل دولة فلسطينية مستقلة أو أن يصبحوا أقلية في داخل وطنهم القومي.

ومثل أي دولة على الأرض ارتبطت دولة إسرائيل بحلم تمثل في إقامة وطن لليهود، ولحد ما تحقق ذلك الحلم، حيث أصبحت إسرائيل من الدول العصرية في الشرق الأوسط وارتبطت بتحالف قوي مع الولايات المتحدة.

وتكمن المصلحة الأميركية في دولة إسرائيلية قوية واثقة بنفسها، ولكن أيضاً كدولة تحرص على السلام مع جيرانها العرب وتتعاون معهم من اجل احتواء التهديد المشترك، والأهم من ذلك الوصول إلى حل عادل ودائم مع الفلسطينيين. ولإنجاز كل ذلك ينبغي أن تواجه إسرائيل وحلفاؤها معضلة شديدة التعقيد تتمثل في كيفية التوصل إلى سلام مع أطراف لا ترغب فيه، وكيفية الانتصار في حرب يعتقد فيها الطرف الآخر أن الوقت في صالحه، وكيفية فرض أمن في جوار يعج بالأعداء، ولا توجد إجابة واضحة لهذه التساؤلات في الوقت الحالي في الشرق الأوسط.

ولعل التحدي الذي تواجهه إسرائيل في الوقت الراهن هو ذلك الذي تفرضه حماس، ولعل أخطر ما في الأمر ليس صواريخ حماس المنطلقة نحو المدن الإسرائيلية، بل ما تلقيه تلك الصورايخ من ظلال قاتمة حول قوة الردع التي تتمتع بها إسرائيل، والتي تعتبر صمام أمانها ضد جيرة عدائية.

وتتمثل المرامي البعيدة للحملة العسكرية على غزة في إطلاق رسالة تحذيرية لإيران، الراعي الرسمي لحماس، إلا أن مقتل المئات من الفلسطينيين قد دمر آمال إسرائيل في تشكيل قضية موحدة مع الدول العربية المعتدلة ضد الطموحات النووية الإيرانية.

ويعتقد خبراء أن إسرائيل ستظل ولفترة طويلة مقبلة تراوح مكانها في وضع بين السلم والحرب، إلا أن القوة العسكرية لا تجدي نفعاً مع ذلك التهديد المقبل من داخل حدودها، فسكان إسرائيل البالغ تعدادهم اليوم 7.1 ملايين نسمة موزعون بين ٥.٤ ملايين يهودي و1.6 مليون عربي، وإذا ما وضعنا في الاعتبار عرب غزة والضفة الغربية، فإن السكان العرب سيتمتعون بأغلبية ضئيلة عن اليهود. وبالنظر إلى معدلات المواليد الكبيرة لدى العرب فإن الفارق بين الفئتين سيتسع أكثر وبسرعة، وهذه القنبلة البشرية هي اكثر ما يخشاه الزعماء الاسرائيليون حتى أفظع صقورهم، رئيس الوزراء السابق ارئيل شارون.

عن مجلة «تايم»

تويتر