العدوان على غـزة محكــــــوم بالفشل

إسرائيل أحدثت دماراً هائلاً في غزة كما حدث في حرب لبنان .2006 أ.ف.ب

قرار إسرائيل الانقضاض بهجوم صاعق ومدمّر على قطاع غزة كان «ضربة ذكية أو خبطة معلم» كما وصفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» كبرى الصحف الإسرائيلية وأيدتها صحيفة «معاريف» قائلة «زاد عنصر المفاجأة من عدد القتلى، وتركناهم في حالة من الصدمة والألم».

وبينما بدت أعداد من أفراد الشرطة التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) محترقة ومتفحمة في عرض جماعي، قتل ٥٦ مدنياً ببعض أحدث أنواع الأسلحة الأميركية التي حصلت عليها إسرائيل مثل طائرات «إف.16» ومروحيات الأباتشي التي هاجمت سلسلة من الأهداف المدنية المرتبطة بحركة حماس، بما فيها المساجد والمنازل والجامعة الإسلامية، وقد تم اخلاء المؤسسات العسكرية والمنشآت المدنية والسياسية التابعة لحماس بسبب القصف، بينما دمّرت مقارّ الشرطة ومراكـزها.

وكتب الصحافي الإسرائيلي آموس هاريل في صحيفة «هآرتس» نهاية الأسبوع الماضي «يبدو أنه ما من أحد يقيم وزناً أو أهمية لمسألة إيذاء المدنيين الأبرياء ومهاجمتهم»، كما حدث في العمليات الأميركية في العراق التي كان من ضحايا موجتها الأولى ثمانية تلاميذ ينتظرون إحدى الحافلات، وكذلك الأمر كان بالنسبة أربع أطفال ـ فتيات ـ تراوح أعمارهن بين عام واحد و١٢ عاماً في مخيم جباليا في غزة.

وينبغي على كل من يشك في تأثير هذه المذابح أن يتنقل بجهاز «الريموت» بين الفضائيات المنتشرة بكثرة في الشرق الأوسط، وتتنافس في تغطية الأحداث بالصوت والصورة، على خلاف نظيراتها الغربية التي تحجب شيئاً من المشاهد المؤلمة التي يتم ارتكابها باسم الحرب على الإرهاب». كما أن مشهد طفل فلسطيني يلفظ أنفاسه بين يدي والده يبث حياً ومباشرة على التلفزيون، يستدعي التفكير في رد الفعل الغربي.

ويمكنك أن تكون واثقاً بأن هذا العدوان سيواجه بموجة عارمة من التنديد إلى حد يقنع الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما لعمل شيء أكثر من الاكتفاء بـ«مراقبة» الوضع. ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون للذهاب إلى ما هو أبعد من مجرد الدعوة إلى «لجم » الطرفين «وكبحهما»، وفي واقع الأمر هذا ما نكتفي جميعاً بفعله في الوقت الحالي. ورغم انضمام الحكومة البريطانية إلى الداعين إلى وقف إطلاق النار، إلا أنه لم يصدر عن الغرب حتى الآن أي شجب لإسرائيل أو استنكار لما تقوم به من عدوان.

وبدلاً من التنديد بإسرائيل، يتم إلقاء اللوم على الفلسطينيين وحماس، وتحميلهم مسؤولية ما يحدث، حيث تردد الحكومات ووسائل الإعلام الغربية ما تقوله إسرائيل وهو «كيف يمكن لأي حكومة ألاّ ترد بأقصى ما لديها من قوة، على ما تتعرض له من إطلاق متواصل للصواريخ». لكن مهما فعلت تلك الحكومات، لا بد لها من مواجهة الحقيقة، فالضفة الغربية وقطاع غزة وقعا في قبضة الاحتلال الإسرائيلي منذ ،1967 وعلى الرغم من سحب إسرائيل لجميع قواتها ومستوطنيها من القطاع قبل ثلاثة أعوام فإنها ما زالت تحكم قبضتها عليه جواً وبراً وبحراً. وبعد فوز حركة حماس في الانتخابــات التشريعــية الفلسطينــية عام 2006 فرضت إسرائيل حصاراً شاملاً وقاتلاً على مليون ونصف المليون فلسطيني.

وتم توجيه اللوم إلى حماس بعد انتهاء مفعول اتفاق التهدئة الشهر الماضي، ولكن اتفاقات سابقة ومتكررة لوقف إطلاق النار انهارت، بسبب عدم التزام إسرائيل وآخرها كان اغتيالها لستة من مقاتلي حماس في الخامس من نوفمبر الماضي، ورفضها رفع الحصار بموجب اتفاق التهدئة الذي تم التوصل اليه بوساطة ورعاية مصرية .

والحقيقة أن إسرائيل ورعاتها الغربيين ضربوا عرض الحائط بالخيار الديمقراطي الفلسطيني، والذي يفترض أن يكون قد لقي قبولهم وألقوا بدلاً من ذلك بثقلهم السياسي والمالي، خلف محاولة مرفوضة للإطاحة بهذا الخيار، وأدى الفشل الكامل في محاولات إسقاط ذلك الخيار للعدوان الذي بدأ أواخر الشهر الماضي. ولكن وباستحضار حرب لبنان قبل عامين، وقبل ذلك حصار بيروت عام 1982 فإن هذه الاستراتيجية لن تنجح.



❊ محرر وكاتب عمود

ترجمة : عقل عبدالله عن «الغارديان»

تويتر