واشنطن تصاعَد دورها قوةً عالميةً بفضل العلاقة مع طرفَي الأطلسي

تفكُك دول الاتحاد الأوروبي لا يصب في مصلحة أميركا

أوربان يحظى بدعم ترامب. أ.ف.ب

يقول راوي الحكايات الأسطوري الإغريقي إيسوب: «احذر ما تتمناه كي لا يتحقق»، وأي أميركي يتحمس - إلى جانب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويدعو إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي، على أساس أنه مذنب بـ«محو الحضارة» - يجب أن يأخذ هذه الحكاية الخرافية على محمل الجد.

وبغض النظر عن التناقض الصارخ بين «تبجيل» حركة «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» المزعوم للسيادة الوطنية، والطريقة المتعجرفة التي توزع بها الإدارة النصائح للأوروبيين حول كيفية تنظيم قارتهم أو لمن يصوّتون، فإن العداء للاتحاد الأوروبي، الذي يظهر بوضوح في واشنطن، يعاني مشكلة أعمق.

وبمعنى آخر، فإن أوروبا من دون الاتحاد الأوروبي لن تكون قارة مزدهرة من مجموعة من الدول القومية «ذات السيادة» على الإطلاق.

وفي الحقيقة، فإذا تخلصت من المشروع الأوروبي فستكون القارة شبيهة بدول غرب البلقان بعد تفكك يوغوسلافيا السابقة، أي مكان تعود فيه كل المظالم القديمة إلى الظهور فجأة، وسيكون هذا صحيحاً بشكل خاص إذا ما حدث التفكك المتوقع للاتحاد الأوروبي على يد حلفاء حلف شمال الأطلسي «الناتو» المزعومين، أي ما يسمى بالقوى «الوطنية» في السياسة الأوروبية.

وفي نهاية المطاف، يتمحور المشروع السياسي طويل الأمد لرئيس الوزراء المجري، المدعوم من ترامب، فيكتور أوربان، حول إعادة إحياء «المجر الكبرى»، كما كانت قبل معاهدة «تريانون» عام 1920، وذلك على حساب جيران بلاده المباشرين كرومانيا وأوكرانيا وصربيا.

وثمة احتمال أن يكون لدى القوميين المتطرفين في المناطق المجاورة أفكارهم الخاصة، فالرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، على سبيل المثال، يكنّ احتراماً كبيراً للدكتاتور الصربي السابق، سلوبودان ميلوسيفيتش، الذي شن حروباً دموية للحفاظ على هيمنة صربيا في البلقان، فهل سيتنازل ببساطة عن مناطق مثل سوبوتيتسا، أو سابادكا باللغة المجرية، لشريكه بالسلطة في بودابست؟

وماذا عن آراء أمثال العضوة المثيرة للجدل في البرلمان الأوروبي، ديانا شوشواكا، التي تسعى لضم أراضٍ «رومانية تاريخياً»، مثل شمال بوكوفينا، من أوكرانيا؟

ويكمن السبب الرئيس وراء التكتم الشديد على هذه الأشكال وغيرها كثير من التحريفات التاريخية، في تحقيق إنجازات المشروع الأوروبي، بما فيها حرية السفر من دون جواز سفر، والتمتع بمستوى عالٍ من حقوق الأقليات.

وبزوال الاتحاد الأوروبي، يصبح من الممكن حدوث سلسلة من الأحداث التي كانت تعد مستحيلة سابقاً، من حروب إلى صراعات «مجمدة» كتلك التي تبقيها روسيا وصربيا في مناطق مثل ترانسنيستريا وكوسوفو.

ولاشك في أن القوى الكبرى ستدلي برأيها في مثل هذا الحدث، مثل روسيا التي ازدادت جرأة بالفعل، والتي تشجعها إدارة ترامب في أوكرانيا، وتسعى جاهدة لإظهار «زيف» المادة الخامسة من حلف «الناتو»، أو حتى ألمانيا تحت قيادة محتملة لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، الذي حثه إيلون ماسك، حليف ترامب، على تجاوز الشعور التاريخي بالذنب.

ما الذي يمكن أن يتدهور نحو الأسوأ؟

يبدو أن الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي يمثل نهاية المطاف في الحضارة الأوروبية يكشف عن جهل عميق بتاريخ القارة.

ومنذ سقوط الإمبراطورية الرومانية، سعت أوروبا إلى تحقيق التوازن بين الوحدة والتنوع الثقافي والسياسي، وتعد مؤسساتها شبه الفيدرالية المتعاقبة جزءاً من هذا التوازن.

وبعيداً عن كونه حالة شاذة، يواصل الاتحاد الأوروبي مسيرة الإمبراطورية الرومانية المقدسة، والرابطة الهانزية (ضمت العديد من المدن التجارية في منطقة بحر الشمال والبلطيق)، والجمهورية البولندية الليتوانية.

وبالطبع، قد يجادل بعضهم بأن ما يحدث في أوروبا يجب أن يكون شأناً أوروبياً، لا شأناً أميركياً، لكن هذا، في أحسن الأحوال، حجة تدعو إلى الانسحاب، بما في ذلك سحب المظلة الأمنية الأميركية من أوروبا، وليس إلى الجهود الحالية التي يبذلها ماسك وواشنطن للتدخل في السياسة الأوروبية.

وإضافة إلى ذلك، فإن حجج انسحاب الولايات المتحدة، ضعيفة وغير تاريخية، ففي عامي 1917 و1941، تعلم الأميركيون درساً قاسياً، مفاده أنهم قد لا يكونوا مهتمين بحرب أوروبية، إلا أن الحرب الأوروبية قد تكون مهتمة بهم.

ففي الحالة الأولى، جاء التهديد للمصالح الأميركية من الهجمات البحرية الألمانية على السفن الأميركية المتجهة من بريطانيا وإليها.

أما في الحالة الثانية، فقد أعلنت ألمانيا، الحرب بشكل مباشر، بعد أن شنت حليفتها، اليابان، هجوماً على «بيرل هاربر» في أميركا.

وكانت سياسة أميركا في مرحلة ما بعد الحرب إزاء أوروبا، تتضمن الدعم الكبير لمشروع التكامل الاقتصادي المحلي، وهذا لم يكن نتاج «قادة أغبياء أو ساذجين» سابقين للولايات المتحدة، بل كانت مدفوعة بجهود منع وقوع حرب أوروبية أخرى.

وكانت هذه السياسة نجاحاً مذهلاً لم يتزامن مع فترة غير مسبوقة من السلام والازدهار الاقتصادي في أوروبا فقط، وإنما مع تصاعد دور أميركا كقوة عالمية لا يشق لها غبار أيضاً، بفضل العلاقة مع طرفي الأطلسي.

وفي ظل استراتيجية أمن قومي معادية لأوروبا بشدة، فإن ما تشنه إدارة ترامب ضد الاتحاد الأوروبي ليس استثناء، ومع أن الأمر يبدو الآن مجرد «لهو ولعب»، لكن إذا انهار الاتحاد الأوروبي على يد روسيا والولايات المتحدة بقيادة ترامب، فليكن في علم الأميركيين أنهم سيندمون على ذلك سريعاً. عن «بوليتيكو»

• إذا تخلصت قارة أوروبا من المشروع الأوروبي، فستكون شبيهة بدول غرب البلقان بعد تفكك يوغوسلافيا السابقة، أي مكان تعود فيه كل المظالم القديمة إلى الظهور فجأة.

• بزوال الاتحاد الأوروبي، يصبح من الممكن حدوث سلسلة من الأحداث التي كانت تعد مستحيلة سابقاً، من حروب إلى صراعات «مجمدة»، كتلك التي تبقيها روسيا وصربيا في مناطق مثل ترانسنيستريا وكوسوفو.

تويتر