هدد مراراً بإلغاء عضوية بلاده في الحلف

خطة ترامب لإعادة هيكلة الإنفاق على «الناتو» تتبلور مع احتمال عودته للسلطة

صورة

هدد الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري الحالي، دونالد ترامب في أكثر من مناسبة، بإلغاء عضوية بلاده في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لدرجة أنه بالنسبة للعديد من منتقديه، فإن السؤال هو متى يفعل ذلك، وليس ما إذا كان سيتخلى عن التحالف الذي يبلغ عمره 75 عاماً إذا فاز في انتخابات نوفمبر المقبل. لكن من غير المرجح أن ينسحب ترامب من الناتو بشكل مباشر، وفقاً لمقابلات مع مسؤولي الأمن القومي السابقين في ولاية ترامب وخبراء الدفاع الذين من المرجح أن يخدموا في ولاية ترامب الثانية. ولكن، حتى لو لم يغادر المنظمة رسمياً، فهذا لا يعني أن الناتو سينجو من ولاية ترامب الثانية من دون تغيير.

ففي مقابل الدعم الأميركي المستمر للناتو، لن يطالب ترامب أن تزيد الدول الأوروبية إنفاقها على هذه المنظمة بشكل كبير فحسب، بل سينفذ أيضاً مقولة أحد خبراء الدفاع المطلعين على تفكير الدائرة الاستشارية للأمن القومي لترامب، وهو دان كالدويل الذي يصف ما سيقدم عليه ترامب بأنه «إعادة توجيه جذرية» للناتو، حيث يقول كالدويل لمجلة بوليتيكو: «لم يعد لدينا أي خيار بعد الآن للإنفاق على الناتو»، مشيراً إلى ارتفاع الديون الأميركية، وضعف التجنيد العسكري، والقاعدة الدفاعية الصناعية التي لا تستطيع مواكبة التحدي الذي تمثله كل من روسيا والصين.

إلا أن المسؤولين والخبراء السابقين الذين تحدثوا في هذا المقال يتفقون حول مدى صعوبة دفع الأوروبيين ليتبنوا بنية أمنية أكثر إرضاء لترامب. ووفقاً لهؤلاء المسؤولين، ستحتفظ الولايات المتحدة بمظلتها النووية فوق أوروبا خلال فترة ولاية ترامب الثانية من خلال الحفاظ على قوتها الجوية وقواعدها في ألمانيا وإنجلترا وتركيا، وكذلك قوتها البحرية. وفي الوقت نفسه، فإن الجزء الأكبر من قوات المشاة والمدرعات والخدمات اللوجستية والمدفعية سينتقل في النهاية من أيدي الأميركيين إلى الأوروبيين.

قضية الإنفاق

جزء آخر من خطة ترامب الناشئة هو نظام الناتو ذو المستويين. هذه الفكرة اقترحها لأول مرة مسؤول كبير سابق آخر في إدارة ترامب، وهو اللفتنانت جنرال المتقاعد بالجيش كيث كيلوج، وتقترح أن يتم حرمان الدول الأعضاء التي لم تحقق بعد هدف إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، من التمتع بالسخاء الدفاعي، والضمانة الأمنية الأميركية، وفقاً لأحد خبراء الأمن القومي المتحالفين مع ترامب، ويمكن اعتبار ذلك تحدياً للمادة «5» من المعاهدة، التي تلزم كل عضو باتخاذ «الإجراء الذي يراه ضرورياً»، لمساعدة أي عضو يتعرض للهجوم.

لكن أعضاء فريق ترامب للسياسة الخارجية، أشاروا إلى أن اللغة الواردة في المادة الخامسة مرنة، ولا تتطلب من أي عضو الرد بالقوة العسكرية.

وظل ترامب يعرب باستمرار عن غضبه من أن حلفاء الناتو «يخدعوننا» من خلال عدم تحقيق هدف الإنفاق البالغ 2%.

وفي الآونة الأخيرة، بدا أن ترامب يشجع روسيا لشن هجوم ضد الدول الفاشلة في الناتو، قائلاً إنه «يشجع» الروس على «القيام بكل ما يريدونه» مع الدول الأعضاء الذين لم يحققوا بعد هدف الإنفاق الدفاعي، بعد عقد من الزمن. وتعهد حلفاء الناتو بالقيام بذلك في قمتهم عام 2014 في ويلز.

ومن المرجح أيضاً أن يلعب التوصل إلى حل سريع للصراع الأوكراني المستمر منذ عامين ونصف العام دوراً رئيساً في خطط ترامب بشأن الناتو.

وكجزء من خطته لأوكرانيا التي لم يتم الإعلان عنها من قبل، يدرس المرشح الجمهوري التوصل إلى اتفاق يلتزم بموجبه الناتو بعدم التوسع شرقاً- وتحديداً في أوكرانيا وجورجيا- ويتفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول مساحة الأراضي الأوكرانية التي تشغلها موسكو التي يمكنها الاحتفاظ بها، وفقاً لخبيرين آخرين في الأمن القومي متحالفين مع ترامب.

الدفاع عن أوروبا

وفي المجمل، فإن نهج ترامب الجديد في هذه المجالات سيكون بمثابة ثورة في شؤون الناتو، وهي ثورة يقول العديد من النقاد إن أوروبا غير قادرة تماماً على تحقيقها في المستقبل المنظور.

وتُعدُّ الولايات المتحدة أكبر مساهم في عمليات الناتو على الإطلاق، حيث أنفقت نحو 860 مليار دولار على الدفاع، وهو ما يمثّل 68% من إجمالي إنفاق دول الناتو في عام 2023. وهذا أكثر بكثير من 10 أضعاف إنفاق ألمانيا، ثاني أكبر مساهم. ويقول مدير الأبحاث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، جيريمي شابيرو، إن جزءاً كبيراً من الإنفاق الأميركي الذي يصل إلى نحو 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، يذهب للدفاع عن أوروبا على الرغم من أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ترفض الكشف علناً عن هذا المبلغ.

وفي اجتماعه مع الرئيس جو بايدن في واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر، أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي المنتهية ولايته ينس ستولتنبرغ أن 23 من أصل 31 عضواً غير أميركي في الناتو سيحققون الآن هدف الحلف البالغ 2%.

وقال ستولتنبرغ: «هذا أكثر من ضعف ما كان عليه الأمر قبل أربع سنوات». ومن المتوقع أن يشمل ذلك ألمانيا للمرة الأولى منذ أوائل التسعينات، ويبدو أن وزير الدفاع الألماني المتشدد بوريس بيستوريوس حريص على القيام بعمل أفضل، حيث يدعو ألمانيا إلى ضخ ما يصل إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.

ولكن حتى لو حققت ألمانيا هذا الهدف، فإن بعض مسؤولي الدفاع السابقين المتحالفين مع ترامب يقولون إن ذلك لايزال غير كافٍ. ويقول نائب مساعد وزير الدفاع للاستراتيجية وتطوير القوة، إلبريدج كولبي، الذي يقال إنه سيتولى منصباً رفيعاً في مجال الأمن القومي في إدارة ترامب الثانية، «أنا أؤيد الحفاظ على الناتو، لكنني أعتقد أن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك- وأنا أقول ذلك للأوروبيين طوال الوقت- هي أن يتحملوا قدراً أكبر من العبء بكثير».

ويسترسل في مقابلة: «نريد أن يكون حلف شمال الأطلسي نشطاً، ونريد أن يكون الأوروبيون في المقدمة، هذه هي الفكرة الأصلية، لقد كانت تلك فكرة دوايت أيزنهاور».

وقال كولبي: «إن الحاجة إلى إجراء مثل هذه التغييرات أصبحت الآن أكثر إلحاحاً بكثير، في مواجهة تهديد الصين. الولايات المتحدة ليس لديها ما يكفي من القوات العسكرية لا يمكننا أن نخسر في أوروبا ضد الروس عندما نعلم أن الصينيين والروس يتعاونان، وأن الصينيين يشكلون تهديداً أكثر خطورة وأهمية».

ويركز بعض الخبراء الذين يتحالفون مع ترامب في الأغلب على قضية الإنفاق، في حين يريد آخرون أن تنفق الدول الأوروبية المزيد، وتتحمل قدراً أكبر بكثير من العبء العسكري. رئيسة تخطيط السياسات لوزير الخارجية مايك بومبيو في إدارة ترامب، واللاعبة الرئيسة في مشروع 2025، وهو أجندة شاملة لولاية ترامب الثانية، كيرون سكينر، تؤكد الحاجة إلى المزيد من الإنفاق الأوروبي كنقطة انطلاق، وتقول: «نحن بحاجة إلى تحديد الحجم الصحيح بشأن دور أميركا في العالم في القرن الـ21، وهذا هو ما أعتقد أن الأمر يدور حوله». وتشرح هذه النقطة بقولها «الولايات المتحدة ليست ماكينة صراف آلي للعالم، لدى حلف شمال الأطلسي مساهمة كبيرة في مسرح المحيط الأطلسي والمحيطين الهندي والهادئ، لكننا بحاجة إلى بذل المزيد من التفكير الاستراتيجي على كلا الجانبين».

سيكون الاختبار الأول لنوايا ترامب في الناتو، في حالة فوزه بولاية أخرى، هو كيفية تعامله مع حرب روسيا وأوكرانيا. فقد عززت الولايات المتحدة دورها المركزي في الناتو منذ بدء الحرب الأوكرانية، فأرسلت 20 ألف جندي إضافي إلى أوروبا (ما يجعل المجموع 100 ألف جندي) إضافة إلى قدرات جوية وبرية وبحرية وسيبرانية وفضائية جديدة. ووفقاً لخبيرين من خبراء الأمن القومي المتحالفين مع ترامب والمطلعين على التفكير داخل الدائرة الداخلية لترامب، فإن هذا المرشح الجمهوري يفكر الآن في عقد صفقة مع بوتين بشأن الدول التي يمكن أن تنضم إلى الناتو، خصوصاً أوكرانيا وجورجيا. ومن شأن مثل هذه الخطة أن تحبط وعد الناتو الغامض بعضوية أوكرانيا في المستقبل، وهي السياسة التي واصلها بايدن، وإن كان ذلك دون الالتزام بجدول زمني.

• يدرس المرشح الجمهوري التوصل إلى اتفاق يلتزم بموجبه الناتو بعدم التوسع شرقاً- وتحديداً في أوكرانيا وجورجيا، ومن شأن مثل هذه الخطة أن تحبط وعد الناتو الغامض بعضوية أوكرانيا في المستقبل.

• تُعدُّ الولايات المتحدة أكبر مساهم في عمليات الناتو على الإطلاق، حيث أنفقت نحو 860 مليار دولار على الدفاع، وهو ما يمثّل 68% من إجمالي إنفاق دول الناتو في عام 2023. وهذا أكثر بكثير من 10 أضعاف إنفاق ألمانيا، ثاني أكبر مساهم.


عن مجلة «بوليتيكو»

 

تويتر