محللان يريان أن بوتين أمام خيارين أحلاهما مر

الكرملين يواجه تهديداً متنامياً من زوجات وأمهات المقاتلين في أوكرانيا

صورة

في الـ21 سبتمبر عام 2022، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، «تعبئة جزئية»، ما سمح للجيش الروسي باستدعاء نحو 300 ألف من جنود الاحتياط. وفي الوقت الذي تحوّل فيه روسيا هجوماً واسع النطاق ضد أوكرانيا، إلى حرب طويلة، كانت هناك حاجة إلى التعبئة لسد احتياجات الجيش الروسي من الأفراد.

ويرى المحللان: الدكتور بين نوبل، وهو زميل مشارك في برنامج روسيا وأوراسيا، ونيكولاي بيتروف، الزميل الاستشاري في البرنامج نفسه في معهد تشاتام هاوس البريطاني (المعهد الملكي للشؤون الدولية)، أن هذه الخطوة لم تلق قبولاً شعبياً على نطاق واسع، وفر كثير من الروس، خصوصاً الشباب، من البلاد لتجنّب استدعائهم. وتم القبض على الآلاف لاحتجاجهم على التعبئة، وتراجع - بدرجة كبيرة - معدل شعبية بوتين.

وأضاف المحللان في تقرير نشره معهد «تشاتام هاوس»، أنه تم الإعلان عن انتهاء التعبئة في أواخر أكتوبر عام 2022، وكان هذا يعني من حيث المبدأ، أن الدولة ستتوقف عن استدعاء الاحتياط.

مستقبل التعبئة

ولكن بوتين لم يوقّع على مرسوم يُضفي الصبغة الرسمية على القرار، ما أدى إلى حالة من عدم اليقين والتكهنات في ما يتعلق بمستقبل التعبئة.

وتم إنشاء منظمة أطلق عليها «مجلس الأمهات والزوجات»، عقب إعلان التعبئة الجزئية. وكان هدفها تنسيق الأنشطة في جميع أنحاء البلاد، من جانب أقارب الأشخاص الذين شملتهم التعبئة، بما في ذلك الضغط على السلطات لتسوية قضايا مثل الرجال الذين تم استدعاؤهم بطريقة غير قانونية، أو تم تزويدهم بمعدات معيبة.

وحاول المجلس التواصل مباشرة مع بوتين، لكن أعضاءه قُوبلوا بالرفض. وبدلاً من ذلك، نظّم الكرملين اجتماعاً صورياً في نوفمبر عام 2022، بحضور مشاركين تم - في ما يبدو - اختيارهم بناء على سجلهم المؤيد للنظام.

ومن أجل بث الشعور باليأس من حشد المجتمع المدني ضد التعبئة العسكرية، تم وصف المجلس بأنه «عميل أجنبي» في مايو من العام الجاري، وبالتالي تم لاحقاً إغلاقه في يوليو، لكن هذا لم يكن نهاية القصة.

وتابع المحللان أنه بعد مرور أكثر من عام على إعلان التعبئة الجزئية، تزايدت الشكاوى بشأن «تعبئة لا نهاية لها».

وعندما سئل رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما، إحدى غرفتي البرلمان الروسي، الجنرال أندريه كارتابولوف، في سبتمبر الماضي عن الموعد الذي سيتم فيه السماح للجنود بالعودة إلى الوطن، أجاب بالقول: «بعد نهاية العملية العسكرية الخاصة»، وهو الاسم الذي تُطلقه روسيا على حربها ضد أوكرانيا، وبالتالي ليست هناك نهاية تلوح في الأفق.

وربطت شبكة إقليمية غير رسمية، آخذة في النمو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بين زوجات وأقارب آخرين للأشخاص الذين شملتهم التعبئة، ويوحّد هذه الحركة الشعبية هدف بسيط هو تأمين عودة أحبائهم.

وفي السابع من نوفمبر الماضي، انضم بعض أعضاء هذه الحركة الوليدة إلى تجمع جماهيري نظمه الحزب الشيوعي للاتحاد الروسي في وسط موسكو.

وكان القرار بالمشاركة في فعالية جارية، بمثابة وسيلة فعالة للتحايل على الحملة المأساوية على الأصوات المعارضة والاحتجاج الذي شُوهد في جميع أنحاء روسيا، خلال السنوات القليلة الماضية، وبصفة خاصة منذ الهجوم واسع النطاق على أوكرانيا.

وكانت طلبات من جماعات إقليمية للحركة لتنظيم احتجاجات مستقلة، قد قُوبلت بالرفض في معظم الحالات، حيث تذرعت السلطات بقيود مكافحة «كوفيد-19»، لكن ذلك لم يوقف التنسيق عبر الإنترنت.

وصوّرت الحركة نفسها على أنها حركة غير سياسية. وقال بيان نُشر في 12 نوفمبر الماضي على قناة «الطريق للوطن»، في «تيلغرام»، إنها ليست مهتمة بالتسبب في حدوث اضطرابات وزعزعة استقرار الموقف السياسي.

والحركة ليست ضد الحرب، بشكل قاطع، لكن ضد التعبئة. وأحد الأسباب أنها تمثّل مثل هذا التهديد، هو أنه من بين المشاركين فيها، أشخاص من قاعدة الدعم لبوتين، لكن رد الفعل من الكرملين كان الصمت.

وفي 27 نوفمبر الماضي، نشرت قناة «الطريق إلى الوطن»، «نداء للشعب»، مع التماس يسمح للأفراد بإضافة توقيعاتهم دعماً لبيان الحركة.

العودة إلى الوطن

ويُعدّ ما تورده القناة من بيانات الآن أكثر عمقاً، «مثل أنه تتم خيانتنا وتدميرنا بأيدينا». وذكرت على نحو مباشر بوتين. ويشير النداء إلى وعود الرئيس السابقة التي لم يتم الوفاء بها، ما يقيد قدرته على تحويل اللوم لمسؤولين من مستوى أدنى.

ويشير النداء إلى أن الرئيس الروسي أصدر مرسوماً بأن يكون عام 2024 «عام الأسرة» في روسيا، وأن المفارقة المريرة لهذا عندما تبكي الزوجات لفراق أزواجهن، ويكبر الأطفال بدون آبائهم، وأصبح كثير منهم بالفعل أيتاماً.

وأشار المحللان إلى أن الكرملين في موقف سيئ، حيث إنه إذا سمح لجنود التعبئة بالعودة للوطن، فإنه سيواجه نقصاً حاداً في القوات، وقد يتطلب ذلك تعبئة ثانية لا تلقى قبولاً شعبياً بشكل متزايد، وقد يؤدي إلى مزيد من الصراع الاجتماعي.

ولكن إذا لم تسمح السلطات بعودة الجنود إلى وطنهم، فإنها تواجه غضباً متنامياً من قطاع مؤثر في المجتمع الروسي، بما في ذلك الداعمون الموالون سابقاً لبوتين، والنهج الذي يسير عليه.

واختتم المحللان تقريرهما بالقول، إن فكرة القيام بحملة ضد الزوجات اللاتي يطالبن بعودة أزواجهن، لن تكون جيدة في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مارس العام المقبل، وإن ذلك يفسر تعدد المحاولات التي تم القيام بها لتفكيك الحركة، من الترهيب إلى استمالة المشاركين فيها نظير مقابل.

• 300000 من جنود الاحتياط تم استدعاؤهم للخدمة في الحرب على أوكرانيا.

• بعد مرور أكثر من عام على إعلان التعبئة الجزئية، تزايدت الشكاوى بشأن «تعبئة لا نهاية لها».

• فكرة القيام بحملة ضد الزوجات اللاتي يطالبن بعودة أزواجهن، لن تكون جيدة في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية.


 

تسوية المشكلة

انتقدت إحدى الأمهات اللائي حضرن الاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أواخر نوفمبر، الزي الذي سرعان ما يصير «غير صالح للاستعمال في الخنادق المتسخة والمبللة»، من دون استبداله بملابس جديدة. وسارع بوتين على الفور إلى تأكيد أن وزارة الدفاع ستحل مشكلة المعدات «بأكبر قدر ممكن من الكفاءة».

وقبل الاجتماع أعربت أمهات عسكريين عن إحساسهنّ بعدم استجابة السلطات الروسية لهنّ. وانتقدت أولغا تسوكانوفا، والدة شاب يؤدي خدمته العسكرية، مسبقاً اجتماعاً مع «أمهات تم اختيارهن بعناية، سيطرحن الأسئلة المناسبة ويشكرنه، كما في كل مرة».

وقدِمت تسوكانوفا من مدينتها على مسافة 900 كيلومتر، شرقاً، إلى موسكو، على أمل استقبالها في الكرملين، لكن ذلك لم يتحقق. وقالت: «أتصور أنهم يخشون أن نطرح أسئلة محرجة، لكن لابد من تسوية المشكلة».

والكرملين يدرك مدى حساسية مسألة عائلات الجنود. ففي أغسطس عام 2000، عند غرق الغواصة الروسية «كورسك» ومقتل أفراد طاقمها الـ118، واجهت القيادة الروسية انتقادات شديدة واتهمت بالتأخر في التحرك. وعلى إثر ذلك، فرض بوتين سلسلة أولى من القيود على وسائل الإعلام.

وخلال حربي الشيشان، قامت أمهات جنود بتحرّك أربك السلطات، وأجّج مشاعر الاستياء في المجتمع الروسي.

تويتر