كريستيان ويتون أكد أن واشنطن تحتاج إلى مثل أفكاره وممارساته الدبلوماسية

محلل: هنري كيسنجر كان الرجل المناسب لأميركا في اللحظة الراهنة

لم يكن وزير الخارجية الأميركي الأبرز، هنري كيسنجر، الذي رحل عن الحياة، الأربعاء الماضي، عن عمر بلغ 100 عام، محبوباً من التيار المحافظ من الجمهوريين، باعتباره يميل إلى التعايش والتواصل مع خصوم أميركا والتفاوض معهم، بدءاً من الصين الشيوعية تحت حكم زعيمها الراحل ماو تسي تونغ، مروراً بالشيوعيين في فيتنام، وانتهاء بالاتحاد السوفييتي (إمبراطورية الشر، كما كان يُطلق عليها المحافظون في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان).

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، بعد رحيل كيسنجر، قال الدبلوماسي والمحلل السياسي الأميركي، كريستيان ويتون - الذي عمل كبيراً للمستشارين في وزارة الخارجية أثناء إدارتي الرئيسين الجمهوريين، جورج بوش الابن، ودونالد ترامب - إنه كمحافظ محب للرئيس ريغان، لم يكن في شبابه من جمهور هنري كيسنجر على الرغم من شعبيته الطاغية في عالم السياسة الخارجية، وإنما كان يراه أحياناً خائناً للمبادئ الأميركية.

ويضيف أنه مع انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينات القرن العشرين، ترسّخ لديه اعتقاد بأن أفكار كيسنجر وممارساته الدبلوماسية كانت خطأ، لكن تطورات الأحداث طوال العقدين الأخيرين أظهرت العكس، وأن الولايات المتحدة تحتاج إلى السياسات الواقعية التي كان يتبنّاها كيسنجر، مستشار الأمن القومي، ووزير الخارجية الراحل.

وعلى الرغم من أن شهرة كيسنجر وشعبيته ارتبطتا بصورة أكبر بانفتاح العلاقات الأميركية مع الصين، فإن خدمته العظمى تتمثّل في إخراجه أميركا من مستنقع الحرب في فيتنام.

وباستثناء حرب الخليج الثانية ضد العراق، فإن تاريخ الحروب الأميركية بعد الحرب الباردة، أظهر أنه من السهل بدء الحرب، لكن من الصعب إنهاؤها.

وبعد الفشل في استيعاب هذا الدرس عند غزو العراق عام 2003، وقبله غزو أفغانستان في 2001، جاءت الحرب في أوكرانيا لكي تؤكد مجدداً، حدود القوة الأميركية. وكان نجاح كيسنجر في التوصل إلى اتفاق مع هانوي لانسحاب أميركا ومعها أسرى الحرب الأميركيين من فيتنام، قبل انهيار حكومة فيتنام الجنوبية الموالية لواشنطن، أمراً حيوياً بالنسبة للقوة الوطنية والصحة الداخلية للولايات المتحدة.

واحتاج التوصل إلى هذا الاتفاق، إلى قيام أميركا بقصف وحشي لفيتنام الشمالية وقواتها في كمبوديا المجاورة التي كان يفترض أنها محايدة في الحرب، لكي تذكّر الجميع بأن الدبلوماسية ليست مجرد إيجاد المزيج الملائم من الكلمات والإغراءات.

كما كان انفتاح إدارة الرئيس الأميركي الراحل، ريتشارد نيكسون، على الصين في السبعينات، ضربة معلم ساعدت في تعميق الانقسام بين موسكو وبكين الشيوعيتين، وأظهرت عدم وجود كتلة شيوعية متجانسة في العالم، لكن للأسف تجاهل قادة الولايات المتحدة في العقود الأخيرة، أهمية استمرار الانقسام بين القوتين الصينية والروسية.

ولم يكن كيسنجر يدير السياسة الخارجية في ذروة القوة الأميركية في سنوات مثل 1945 عقب الانتصار في الحرب العالمية الثانية، أو في 1991 عقب الانتصار في الحرب الباردة، فقد أصبح مستشاراً للأمن القومي في 1969، ووزيراً للخارجية في 1973. وجاءت هذه الفترة عقب عقد من الفوضى الداخلية التي لم تشهدها أميركا منذ الحرب الأهلية. وتعرّضت الولايات المتحدة لسلسلة من الأزمات في المجالات المالية والسياسية والطاقة، بما في ذلك فضيحة «ووتر غيت» وأول حظر عربي على تصدير النفط إلى الدول الغربية، بعد حرب أكتوبر 1973، وشعر حلفاء أميركا ومواطنوها بالتدهور.

ويقول الباحث الزائر في مركز ناشيونال إنتريست، كريستيان ويتون، في تحليله، إن الولايات المتحدة - لسوء الحظ - تجد نفسها الآن في حالة اضمحلال. فقوتها العسكرية غير قادرة على الانتصار في الحروب، وحكومتها المثقلة بالديون تتجه نحو أزمة مالية مقبلة. وفي حين يشيد بعض الخبراء بحالة الاقتصاد، يعبر أغلبية الأميركيين العاديين عن اختلافهم الكامل مع تقارير مراكز قياس الرأي العام.

ويضيف ويتون في تحليله، أن الولايات المتحدة ستتعافى بمجرد أن يفرض الناخبون التغيير، لكن قبل هذا التعافي ينبغي على البلاد اتخاذ خيارات صعبة. فمع وصول العجز السنوي في الميزانية إلى نحو تريليوني دولار، لن تستطيع أميركا تحمّل الإنفاق كما تشاء، كما أنها لن تستطيع الإسهام في أمن أوروبا، ومواصلة الحرب بالوكالة ضد روسيا، والعمليات العسكرية في العراق وسورية، وردع الصين في وقت واحد. فالأوضاع الاقتصادية ستُجبرها على خفض إنفاقها العسكري بغضّ النظر عن هوية الحزب الحاكم فيها.

لذلك فإن الرئيس الأميركي المقبل قد يحتاج إلى تبنّي رؤية كيسنجر للعالم، ويمكنه الاستعانة بشخصية بيروقراطية سلسة لقيادة سفينة الوطن. ويقول ويتون: «لقد تذكرت أخيراً براعة كيسنجر مع ما يسمى (الدولة العميقة) عندما قرأت محادثة له مع الزعيم السنغافوري السابق، لي كوان، في الوقت الذي كانت فيه دول جنوب شرق آسيا تقترب من ذروة الأزمة في 1973. فقد أنشأ قناة خاصة للاتصال مع لي، بعيداً عن وزارة الخارجية والجيش».

• على الرغم من أن شهرة كيسنجر وشعبيته ارتبطتا بصورة أكبر بانفتاح العلاقات الأميركية مع الصين، فإن خدمته العظمى تتمثّل في إخراجه أميركا من مستنقع الحرب في فيتنام.

تويتر