يهدّدون بإشعال حرب أهلية جديدة
أمراء الحرب في أفغانستان يستعدون للعودة
يهدد أمراء الحرب، وسماسرة السلطة، وقادة الجماعات العرقية، الذين فروا من أفغانستان العام الماضي قبيل انتصار حركة «طالبان» على حكومة كابول، بافتعال حرب أهلية إذا لم تبدأ حكومة «طالبان» بالتفاوض معهم من أجل عودتهم إلى الوطن، واستعادتهم لسلطتهم كبديل لحكم «طالبان» الذي يحمل مقاليد السلطة في البلاد.
وستعود هذه المجموعة التي أدت إلى تدمير أفغانستان في فترة التسعينات من القرن الماضي، وعملت على تفتيتها بعد ذلك. وبخلاف تلك المرحلة يبدو هذا الوقت ملائماً بالنسبة لأمراء الحرب، بالنظر إلى الوضع التعيس في أفغانستان في ظل حكم «طالبان» منذ شهر أغسطس الماضي.
عودة الحرس القديم
وجاءت لحظة عودة الحرس القديم في مايو الماضي، عندما اجتمع 40 شخصاً، من المؤيدين لعودة أمراء الحرب، في العاصمة التركية أنقرة، للقاء الزعيم الأوزبكي عبدالرشيد دوستم ورجاله. واستخدم دوستم، كبقية أمراء الحرب الأفغان، الثروة التي جمعها خلال 20 عاماً من الوجود الأميركي في أفغانستان لجمع شبكة اتباعه. وكان دوستم في هذه الفترة يؤيد جهود إعادة البناء التي تمولها الولايات المتحدة وحلفاؤها، كما أنها شجعت تعليم النساء، وقامت بإرسال الآلاف من الطلبة الأفغان للدراسة في الخارج.
حرب أهلية جديدة
ولكن اجتماع أنقرة كان له الكثير من الجمهور. ومن بينهم أحمد وليد مسعود، عم أحمد مسعود، رئيس جبهة المقاومة الوطنية ومن الشخصيات القليلة في النخبة السياسية الأفغانية التي لم تلطخ بالاتهامات بالفساد والأعمال الوحشية. واشتهر والده الراحل الجنرال أحمد شاه مسعود، لكونه منع «طالبان» من السيطرة الكاملة على أفغانستان، قبل الإطاحة بحكومة «طالبان» عام 2001. وقال المجتمعون في بيان لهم إنهم قاموا بتشكيل «المجلس الأعلى للمقاومة الوطنية» لمطالبة حركة «طالبان» بالتفاوض بشأن عودتهم إلى أفغانستان كي يشاركوا في الحكومة، وإلا ستواجه «طالبان» المتاعب. وقال المتحدث باسم دوستم مهدداً: «أفغانستان ستعيش حرباً أهلية مرة أخرى».
ويدرك الشعب الأفغاني معنى ذلك، فقد عاش غالبية السكان البالغ تعدادهم 38 مليون نسمة معظم حياتهم في أتون هذه الحرب. وكان أمراء الحرب وأتباعهم جزءاً من هذه الحرب، التي ابتليت بها أفغانستان لأكثر من أربعة عقود، حتى شعر هذا الشعب بالإرهاق وبدأ يتوق إلى السلام. والآن يعود أمراء الحرب ذاتهم.
أمراء الحرب ليسوا مخلّصين
وبالطبع فإن هؤلاء الأشخاص الذين يشكلون المقاومة الجديدة ليسوا مخلصين للشعب، إذ إن دوستم على سبيل المثال كان متهماً عام 2016 بالخطف والاغتصاب، والتعذيب لأعدائه. وفي عام 2001 اتهم باعتقال مسلحين من «طالبان» وحبسهم في حاوية حتى اختنقوا. وعندما كان نائباً للرئيس الأفغاني، أشرف غني، كان المسلحون التابعون له يقومون بأعمال البلطجة في شوارع كابول كاستعراض للقوة.
ومن بين المشاركين في اجتماع أنقرة، عطا محمد نور، الذي كان له جيش خاص به عندما كان يحكم أحد الأقاليم الأفغانية الذي يعتبر سلة خبز أفغانستان، وعيّن ابنه خليفة له. وحضر الاجتماع أيضاً قادة مجموعة «الهزارا» الاثنية، ومقاتلون سابقون، وأعضاء سابقون في حكومة أفغانستان، إضافة إلى أمراء حرب سابقين. وشاركت بعض النسوة في الاجتماع أيضاً، وفق ما ذكره أحد المستشارين عبر تطبيق زووم على الإنترنت.
وبعد نحو عام على الحرب، وإثر انسحاب القوات الأميركية، فإن عودة القادة السياسيين والإثنيين بجيوشهم الخاصة، يضيف الزيت على المشهد القابل للاشتعال أصلاً، ويؤجج المخاوف من أن أفغانستان يمكن أن تتورط في معارك ضروس من أجل السلطة والأراضي.
وتبدو الفسيفساء الإثنية في أفغانستان محطمة، حيث تقاتل المجموعات المسلحة في الشمال لإخراج «طالبان»، بالنظر إلى أن أمراء الحرب يؤكدون لهم أنهم سيحظون بدعم شعبي وغربي كبير.
التاريخ يعيد نفسه
وبالنظر إلى حالة المجاعة التي يعانيها الملايين في أفغانستان، والاقتصاد المتدهور نتيجة العقوبات الاقتصادية الأميركية، يبدو أن ثمة عوامل عدة تصب إلى جانب أمراء الحرب، ليس أقلها عدم نجاح «طالبان» في تشكيل حكومة وطنية فاعلة. ولكن وسط قرع طبول الحرب الأهلية، يحذر بعض المحللين من أن التاريخ يعيد نفسه بأعمال وحشية أخرى على شاكلة هجمات 11 سبتمبر، إضافة إلى انضمام العشرات من المجموعات الإرهابية المعادية للغرب إلى «طالبان».
ويبدو أن هذا المشهد المفكك يعطي مجموعة أمراء الحرب متنفساً من أجل عودتهم. وقال المتحدث باسم دوستم، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن المشاركين باجتماع أنقرة طالبوا بالمشاركة في حكومة «طالبان»، المشكّلة حالياً بمعظمهما من الباشتون السنة، كما أن أعضاء الحكومة جميعاً من الرجال. وقال عالم الأنثروبولوجيا، عمر شريفي، الذي يعمل أستاذاً في الجامعة الأميركية في أفغانستان إن هذا الطلب الذي يقدمه أمراء الحرب ليس مستحيلاً. فقد أثبت هؤلاء أنهم قادرون على التأقلم مع الزمن والظروف، حيث انتقلوا من الكفاح المسلح إلى النظام الديمقراطي، وقاموا بإنشاء نفوذهم وسلطتهم، وثروتهم. وقال شريفي إن أخطاء «طالبان» هي التي جعلت أمراء الحرب يبدون جذابين.
ووصلت «طالبان» إلى السلطة للمرة الأولى في الفترة ما بين 1992-1996، بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي عام 1989، وقيام أمراء الحرب بتحطيم بعضهم بعضاً. وتم الترحيب بحكومة «طالبان» بالدموع والأفراح، الذي لم يستمر طويلاً، لأن حكم «طالبان» كان قاسياً للغاية.
أكبر مصدر للمخدرات
وبالنظر إلى ظهور الأزمات الإنسانية في أفغانستان، فان الضغوط تتزايد على الرئيس الأميركي، جو بايدن، من أجل الاعتراف بحركة «طالبان»، التي تعتبر أكبر مصدر للمخدرات، والتي تحوي العشرات من الإرهابيين في مراتبها العليا. واقترح العديد من المعلقين إلغاء العزلة التي تعيشها «طالبان» دون الاعتراف الدبلوماسي. ولكن حتى الآن لاتزال حركة «طالبان» معزولة في الخارج والداخل.
ولا يمكننا إلا انتظار ما الذي يمكن أن يفعله أمراء الحرب، كما أن الولايات المتحدة والائتلاف الدولي حاربوا لمدة 20 عاماً، وليس لديهم أي نية للعودة إلى الصراع في أفغانستان. ولا تريد الدول المجاورة لأفغانستان تمويل أو تسليح مجموعات المقاومة، وهي تشعر بالارتياح لأن الصراع على حدودها قد انتهى، وتتمنى أن يتمكن الفرقاء الأفغان من التعايش وإن كان ذلك ليس سهلاً مع «طالبان».
ليم أودونيل كاتب في «فورين بوليسي»
فشل الحكومات الأفغانية المتعاقبة
يرى الباحث المقيم في نيويورك، والذي كان يقدم المشورة للحكومة الأفغانية السابقة في القضايا الأمنية، علي محمد علي، أن مستقبل عودة أمراء الحرب يمثل دليلاً على فشل الحكومات الأفغانية المتعاقبة، والدول الداعمة لها من الغرب، في إنشاء مؤسسات حكومية دائمة. وقال: «المجتمع الدولي غير كفوء، وغير متماسك، وعليه أن يعمل معاً لأن مشكلات أفغانستان لن تظل داخلها»، وأكد أن عدم إنشاء مؤسسات حكم دائمة، خلال عقدين من وجود الدول الغربية في أفغانستان، بما فيها بنك مركزي مقتدر، وحكومة مركزية قوية تتسم بالكفاءة، إذ من دون إنشاء مثل هذه القدرات، ستواجه الدولة خطر التفكك، واحتمال أن تصبح بؤرة للإرهاب. وقال علي: «عدم وجود المؤسسات القوية يمكن أن يساعد على ظهور ليس أمراء الحرب، ومعارضي (طالبان) فقط، وإنما جماعات أخرى، مثل تنظيمي داعش والقاعدة، التي ستعمل على ملء الفراغ عن طريق تقديم خدمات القضاء وأشياء أخرى للشعب الأفغاني. وهذا ما حدث في العراق، وسيحدث في أفغانستان إذا أصبح الوضع الحالي حالة طبيعية في البلد». جاءت لحظة عودة الحرس القديم في مايو الماضي، عندما اجتمع 40 شخصاً، من المؤيدين لعودة أمراء الحرب، في العاصمة التركية أنقرة، للقاء الزعيم الأوزبكي عبدالرشيد دوستم ورجاله. تبدو الفسيفساء الإثنية في أفغانستان محطمة، حيث تقاتل المجموعات المسلحة في الشمال لإخراج «طالبان» بالنظر إلى أن أمراء الحرب يؤكدون لهم أنهم سيحظون بدعم شعبي وغربي كبير.
وسط قرع طبول الحرب الأهلية، يحذر بعض المحللين من أن التاريخ يعيد نفسه بأعمال وحشية أخرى على شاكلة هجمات 11 سبتمبر، إضافة إلى انضمام العشرات من المجموعات الإرهابية المعادية للغرب إلى «طالبان».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news