لغة القوة تفرض نفسها

شروط عدة لفوز الغرب بالسلام في أوكرانيا

صورة

عبر قراءة المشهد الحالي للحرب الروسية في أوكرانيا، تظهر وبوضوح فكرة أساسية وهي أن لغة القوة وحدها هي التي تفرض نفسها، لتتوارى أمامها جميع محاولات العمل الدبلوماسي لإنهاء الصراع حتى هذه اللحظة.

ومن هذا المنطلق يقول الباحثان الرئيس التنفيذي لمعهد وارسو إنتربرايز، توماس فروبليفسكي، ونائب رئيس مؤسسة هيريتدج، جيمس جاي كارافانو، الذي يشرف على أبحاث المركز البحثي حول مسائل الأمن القومي والعلاقات الخارجية، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست»، إن الحروب تستحوذ على خيال المؤرخين. كما أنها تشكل المعاهدات الموقعة بعد انتهاء القتال. وتساعد هذه الاتفاقيات في تحديد النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي لسنوات مقبلة. وينبغي للمعاهدات أن تضع الأساس لمستقبل سلمي. ولكن عندما تكتب بشكل عشوائي، فإنها يمكن أن تزرع بذور الصراع المقبل.

تشكيل المستقبل

وفي أوكرانيا، يستمر القتال والموت. ومع ذلك، فقد حان الوقت للبدء في التفكير في كيفية تشكيل مستقبل يعد المجتمع عبر «الأطلسي» بعصر جديد من الاستقرار والسلام والازدهار.

ويقول الباحثان إنه على الرغم من الاختلافات العديدة بين أسرة الدول الغربية، هناك إجماع عالمي على أن أوكرانيا الحرة والمزدهرة والآمنة تعود بالنفع علينا جميعاً. فما مدى احتمال حدوث ذلك؟

هناك العديد من السيناريوهات البديلة لكيفية انتهاء هذه الحرب من الانهيار الكامل للكليبتوقراطية الإمبراطورية الروسية، إلى العلم الأوكراني الذي يلوح في سيفاستوبول، إلى حرب استنزاف طويلة الأمد تؤدي إلى الدمار والانهيار البطيء لأوكرانيا. وتشير آخر الأخبار الواردة من ساحة المعركة، إلى أن الصراع سينتهي في مكان غير حاسم، حيث لا يحقق أي من الطرفين أهدافه القصوى.

وتنادي بعض الأصوات، بما في ذلك الإيطاليون والفرنسيون، وهنري كيسنجر، بوقف فوري لإطلاق النار وتقديم تنازلات أوكرانية. ومن الناحية العملية، لن ينتهي هذا الأمر بشكل جيد بالنسبة للغرب. ومن شأن ذلك أن يمنح الروس الوقت لإعادة تجميع صفوفهم واستعراض عضلاتهم الاقتصادية (بالنفوذ من خلال إمدادات الطاقة على سبيل المثال) للضغط على الغرب للتراجع عن بعض العقوبات، ووقف شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا.

ويقول الباحثان: «نحن بحاجة إلى الأساس لسلام حقيقي.. إن الاندفاع للضغط من أجل إنهاء القتال دون حماية المصالح الحيوية الأوكرانية، أو السماح لروسيا بالخروج منه دون أن تخضع للمساءلة عن جرائمها وإثرائها بأراض جديدة، لن يؤدي إلا إلى زيادة خطر العدوان الروسي في المستقبل».

فشل نظام القواعد

وبدأت هذه الحرب لأن النظام القائم على القواعد فشل وسادت القوة. والقوة والإرادة في استخدامها هما وحدهما اللذان سيجلبان الاستقرار، ويهيئان الظروف لإنهاء التهديد الذي يتعرض له المجتمع عبر «الأطلسي»، وفقاً للباحثين.

وبغض النظر عن كيفية انتهاء الحرب على الأرض، يجب أن يكون حلف شمال الأطلسي مستعدا لردع العدوان المستقبلي، من خلال جيش تقليدي قوي ومنتشر، ووسائل لتأمين طاقة وفيرة وموثوقة، وبأسعار معقولة دون الاعتماد على روسيا.

وسيكون لزاماً على المجتمع عبر «الأطلسي» أيضاً أن يساعد في إرساء الأساس لأوكرانيا قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان روسي في المستقبل. ويشمل ذلك مساعدة كييف على بناء القدرة على كسر الحصار الروسي، المفروض على صادرات الحبوب، والدفاع عن المجال الجوي الأوكراني من الهجمات الجوية والصاروخية، وتأمين الأراضي الأوكرانية.

توفير الأسلحة والذخيرة

وسيتطلب هذا من الدول الغربية بذل جهود أكثر جرأة لتوفير الأسلحة والذخيرة اللازمة لإنجاز هذه المهام، إلى جانب الدعم اللوجستي والتدريبي والاستخباراتي المطلوب. وبدلاً من زيادة خطر توسيع نطاق الحرب، من المرجح أن يؤدي بذل جهد أكثر عدوانية إلى إنهاء الحرب بسرعة أكبر وضمان عدم انطلاقها مرة أخرى. إضافة إلى ذلك، من المصلحة الغربية تسريع التعافي الاقتصادي في أوكرانيا. وقد تصل تكاليف إعادة الإعمار إلى تريليون دولار أو أكثر. ويجب إجبار روسيا على دفع تعويضات الحرب إلى كييف من خلال احتياطياتها من العملات الأجنبية (600 مليار دولار) الموجودة في البنوك الغربية، من الأصول المصادرة الخاصة بالنخبة المالية المقرّبة من السلطة (الأوليجارش الروس)، وفرض ضريبة على مبيعات النفط والغاز الروسية في المستقبل.

ويرى الباحثان أن عملية إعادة الإعمار ستكون محفوفة بالمخاطر. وأوكرانيا هي واحدة من أكثر الدول فساداً في العالم. إن إلقاء الأموال بشكل أعمى على البلاد ووضع قدر هائل من الثروة في الأيدي الخطأ لن يفيد الشعب الأوكراني، أو يساعده في الحصول على الحكم الأفضل الذي يريده.

ولضمان التعافي الناجح، يتعين على المانحين أن يمنعوا أي أموال للمعونة من أن تثري جيوب «الأوليجارش» الأوكرانيين.

وينبغي ربط مساعدات إعادة الإعمار في المستقبل بإصلاحات السوق الحرة، التي من شأنها خصخصة القطاع الصناعي المملوك للدولة في أوكرانيا، وجذب الاستثمارات الخاصة، وتسهيل محاكمة المسؤولين الفاسدين. ولن تتمكن أوكرانيا من ترسيخ مستقبلها في الغرب وبناء قدرتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، للحيلولة دون وقوع أي عدوان روسي في المستقبل، إلا من خلال مواجهة ماضيها الفاشل.

التكامل السياسي

وأخيراً، يتعيّن على الغرب أن يأخذ التكامل السياسي على محمل الجد أيضاً. وينبغي على الأوروبيين أن يعالجوا العقبات التي تحول دون انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وأن يبقوا الباب مفتوحاً أمام توسيع حلف شمال الأطلسي.

ويجب ألا يكون هناك تخفيف للعقوبات على روسيا يقوض أياً من هذه الأنشطة.

ويرى الباحثان أنه ينبغي اتخاذ هذه الخطوات الآن. وفي غضون سنوات قليلة، ستعيد روسيا بوتين بناء جيشها. وسيخرج للانتقام. وبحلول ذلك الوقت، يتعين على بوتين أن يواجه غرباً لا يهتم بذلك، لأنه سيصير قويا للغاية ومستعداً للمقاومة.


 حان الوقت للبدء في التفكير في كيفية تشكيل مستقبل يعد المجتمع عبر الأطلسي بعصر جديد من الاستقرار والسلام والازدهار.

الاندفاع للضغط من أجل إنهاء القتال دون حماية المصالح الحيوية الأوكرانية، أو السماح لروسيا بالخروج منه دون أن تخضع للمساءلة عن إثرائها بأراض جديدة، لن يؤدي إلا إلى زيادة الخطر في المستقبل.

تنادي أصوات، بما في ذلك الإيطاليون والفرنسيون، وهنري كيسنجر، بوقف فوري لإطلاق النار وتقديم تنازلات أوكرانية. ومن الناحية العملية، لن ينتهي هذا الأمر بشكل جيد بالنسبة للغرب.

تويتر