توفر نحو 90% من إنتاج الرقائق الأكثر تقدماً في العالم.. و50% من جميع أنواع الرقائق

استراتيجية «درع السيليكون» تشكل خطراً على تايوان وأميركا

صورة

تتصاعد يوماً بعد يوم حدة التوتر بين الصين وتايوان، وتزداد المخاوف من أن تقدم بكين على غزو الجزيرة، وقد زاد هذا الاحتمال إلى حد بعيد في أعقاب بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أواخر فبراير الماضي.

وجوهر الصراع بين الصين وتايوان يكمن في أن بكين تعتبر تايوان جزءاً من البر الرئيس الصيني، ومقاطعة يتعين إعادة ضمها في إطار سياسة «صين واحدة»، في حين يرفض سكان تايوان ذلك، ويعتبرون جزيرتهم مستقلة.

ويُعتقد أن أحد العناصر المهمة في إطار التصعيد الصيني هو أن بكين تسعى أيضاً إلى السيطرة على أحد أكبر أسواق الصناعات التكنولوجية في العالم، في إطار الحرب التكنولوجية بين بكين والغرب، وواشنطن على وجه الخصوص.

وذكر الباحث الأميركي بمعهد سياسة مجتمع آسيا ومركز بيلفر بجامعة هارفارد، كريستوافر فاسالو، في تحليل نشرته مجلة ناشيونال انتريست الأميركية، أن «درع السيليكون» - وهو ما يطلق على استراتيجية تعتبر اعتماد الصين وأميركا على صناعة أشباه الموصلات التايوانية حصن الدفاع عن الجزيرة - هو مفهوم عتيق، يثقل كاهل الولايات المتحدة، ويشجع تايوان، ولكنه لن يردع الصين، وربما تندلع أزمة تظهر أن الفكرة قد عفا عليها الزمن.

درع إضافي

وكان الكاتب كريغ أديسون قد ذكر أن فكرة «درع السيليكون» طُرحت للمرة الأولى في صحيفة «نيويورك تايمز»، قبل أكثر من عقدين، حيث أوضح أن تايوان تمتلك درعاً يضاف إلى الدرع الصاروخي الذي كانت واشنطن تعتزم إقامته في شرق آسيا. وجوهر «درع السيليكون» هو حصة تايوان الهائلة من منتجات تكنولوجيا المعلومات. وأوضح أديسون أن أشباه الموصلات ومكونات أجهزة الكومبيوتر التي تنتجها تايوان، لها أهمية بالغة إلى حد لا يستطيع العالم أن يتحمل توقف تدفقها، أو تدمير مصانعها، فقد تصل الخسائر إلى تريليونات الدولارات.

ويقول فاسالو إنه منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، ضغطت استراتيجيات الدفاع الأميركية على تايوان لتحديث دفاعاتها العسكرية. وكانت إحدى المهام الرئيسة هي مواءمة توفير الأسلحة الدفاعية مع احتياجات الجيش التايواني، وشراء صواريخ ستينجرز وجافلينز، بدلاً من شراء دبابات آبرامز ومروحيات سيهوك. وفي إطار هذه العملية، أغفل المخططون الاستراتيجيون الأميركيون مسألة تسريع وتيرة إضعاف «درع السيليكون» الخاص بتايوان. ويشير «درع السيليكون» إلى الحماية المفترض أن توفرها صناعة أشباه الموصلات الضخمة في تايوان، حيث تعد الجزيرة مصنع رقائق العالم، فهي توفر نحو 90% من إنتاج الرقائق الأكثر تقدماً في العالم، و50% من جميع أنواع الرقائق. وتايوان هي كلمة السر في سلاسل توريد أشباه الموصلات التي تمتد عبر العديد من الدول، ولعشرات الآلاف من الأميال.

قيمة استراتيجية

ويقول سافالو إن تايوان تستمد قيمة استراتيجية من هذه الهيمنة، من الناحية النظرية، حيث تحصد رادعاً مزدوجاً يثني عزم الصين على غزوها، كما يضمن حماية أميركية، حال لم ينجح ذلك.

ووصف مؤسس شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (تي إس إم سي)، كبرى شركات إنتاج الرقائق في تايوان، مسابك هذه الصناعة في الجزيرة بأنها «سلسلة جبال مقدسة تحمي البلاد».

ووصف محللون في «مركز الأمن الأميركي الجديد» (سي إن آيه إس) البحثي «درع السيليكون» بأنه يجعل الجزيرة «لا غنى عنها للجانبين»، في إطار المنافسة بين أميركا والصين. وتقضي استراتيجية «درع السيليكون» بأن تسعى تايبيه إلى تحقيق الأمن من خلال نقاط ضعفها، انطلاقاً من الثقة بأن زبائنها في الغرب سيوفرون لها الحماية. ورغم ذلك، ومن أجل أن ينجح هذا الردع المزدوج، تراهن تايبيه على اهتمام بكين الكافي بوجود توريدات مستقرة من الرقائق من تايوان، في مواجهة قناعتها المتوازية بأن الجزيرة تنتمي إلى قلب الحضارة الصينية. وإن كان ذلك خطأ، لن تكون النتيجة ردعاً مزدوجاً، بل كارثة مزدوجة.

ويقول سافالو إنه إذا حدث هذا السيناريو الأسوأ، فستتسبب نقاط الضعف التايوانية في إطلاق هجوم صيني، وتدخل أميركي غير كافٍ لحماية الجزيرة، التي لم تستثمر إمكانات الدفاع التي تملكها.

حالة من عدم الارتياحويرى سافالو أنه يتعين على «درع السيليكون» أن يدفع صناع السياسة في الولايات المتحدة إلى الشعور بحالة بالغة من عدم الارتياح. ويقول إن الصين تسعى بالفعل إلى الهيمنة على صناعة أشباه الموصلات، وقد نما نصيبها في هذه الصناعة من 3% إلى 9% خلال السنوات الأخيرة. ويستهدف سعي بكين إلى «نظام بيئي ذي حلقة مغلقة لتصنيع أشباه الموصلات» ضرب جوهر منطق «درع السيليكون ذاته». ومن أجل قلب الحسابات الاستراتيجية لتايبيه لمصلحة واشنطن، يتعين على أميركا محاكاة جهود الصين في دعم قدرات أشباه الموصلات لديها، وخفض معدل الاعتماد على الشركات التايوانية. كما يجب أن يدفع مثل هذا التوجه تايوان إلى تعزيز قدراتها الدفاعية الصلبة. ويقول الباحث سافالو في ختام تحليله إنه لحسن الحظ، يمتلك صناع السياسة في واشنطن آلية متاحة بشكل سهل، لتحفيز تحول تايوان من «درع السيليكون» إلى آلية إنكار الدفاع، أي تجاهل حقيقة الموقف.

وأضاف أن قانون المنافسة مع الصين المنتظر أن يوافق عليه الكونغرس هذا العام، سيوفر 52 مليار دولار لدعم صناعة أشباه الموصلات في أميركا. وهناك تشريع مماثل في أوروبا، يتضمن توفير 48 مليار دولار، وبذلك تستطيع دول الغرب مجتمعة تقديم 100 مليار دولار لتوطين صناعات البحث والتصميم والتصنيع في مجالات أشباه الموصلات، في أماكن أكثر أماناً، إضافة إلى دفع تايوان إلى أن تكون أكثر جدية بشأن مسألة الدفاع الذاتي.


• تقضي استراتيجية «درع السيليكون» بأن تسعى تايبيه إلى تحقيق الأمن من خلال نقاط ضعفها، انطلاقاً من الثقة بأن زبائنها في الغرب سيحمونها.

• أحد العناصر المهمة للتصعيد الصيني هو أن بكين تسعى إلى السيطرة على أحد أكبر أسواق الصناعات التكنولوجية في العالم، ضمن إطار الحرب التكنولوجية بين الصين والغرب، خصوصاً واشنطن.

تويتر