وسط انعدام ثقة الشعب بالوعود

الصومال تنتخب رئيساً جديداً وسط تحديات الإرهابيين الحقيقية

صورة

في خيمة محصنة تحرسها قوات حفظ السلام، قام المئات من أعضاء البرلمان الصومالي بانتخاب رئيس جديد للصومال الأحد الماضي، مختتمين موسماً انتخابياً عنيفاً، كاد يودي بالقرن الإفريقي إلى الهاوية.

وأدى انتخاب الرئيس، حسن شيخ محمود، وهو رئيس سابق للصومال، في مقديشو العاصمة، إلى وضع نهاية لفترة انتخابات مريرة شابها الفساد، ومحاولة الرئيس التشبث بالسلطة إضافة إلى حدوث قتال عنيف في الشوارع. واستطاع الرئيس محمود هزيمة نحو 30 مرشحاً بعد ثلاث جولات من التصويت بمن فيهم الرئيس محمد عبدالله محمد، الذي تعرض للانتقاد بعد أن مدد فترته الرئاسية العام الماضي.

وجاء هذا التصويت الذي تم تأخيره نحو عامين، وسط تضخم متصاعد وجفاف قاتل جعل نحو 40% من سكان الدولة يعانون الجوع. وتم إغلاق الشوارع في مقديشو يوم الأحد، وأعلنت الشرطة حالة حظر التجول حتى صباح الإثنين.

وانطلقت صيحات الابتهاج والزغاريد في الخيمة التي اجتمع فيها أعضاء البرلمان، بعد إعلان فوز محمود بالرئاسة. وانطلقت الأعيرة النارية في شوارع العاصمة وفق ما ذكره بعض الشهود. وفي وقت سابق دوت أصوات انفجارات عدة أمكن سماعها من الخيمة حيث يتم التصويت، ولكنها لم تؤدِّ إلى توقف عملية انتخاب الرئيس. وقال محمود بعد انتخابه «بلادنا بحاجة إلى التقدم نحو الأمام».

 

تحديات تنظيم الشباب

وسيواجه محمود، 66 عاماً، حزمة من التحديات خلال فترة حكمه التي تمتد لأربع سنوات، خصوصاً قوة تنظيم الشباب، وهي مجموعة إرهابية تتمتع بقبضة قوية على أجزاء كبيرة من الدولة.

وعانى سكان الصومال البالغ تعدادهم نحو 16 مليون نسمة الحرب الأهلية، والحكم الضعيف، والإرهاب لعقود عدة. وتحظى الحكومة المركزية في مقديشو بدعم قوات السلام التابعة للاتحاد الإفريقي والمساعدات الغربية، بما فيها مليارات عدة من الدولارات كدعم إنساني ومساعدات أمنية من الولايات المتحدة، التي سعت إلى منع تحول الصومال إلى ملاذ للإرهابيين.

وتم انتخاب الرئيس من خلال 328 عضواً برلمانياً، ينتخبون من خلال التمثيل العشائري. وحقق محمود 214 صوتاً في حين فاز الرئيس السابق محمد بـ110 أصوات. وقلة من الأصوات كانت تالفة، في حين كان أحد الناخبين مريضاً ولم يشارك في الانتخاب. وتسلم محمود الرئاسة في الفترة ما بين 2012 إلى 2017، وولد في منطقة هيران وسط الصومال. وهو ناشط سلمي ومعلم، أسس كلية أصبحت هي الأكبر في الصومال.

وقال الخبراء إن تنظيم الشباب، المرتبط بتنظيم «القاعدة»، استغل انعدام الاستقرار السياسي في الصومال، والانقسام المرير بين القوات الأمنية لتوسيع سيطرته واكتساب مزيد من القوة. وبعد مرور نحو 16 عاماً، يمتلك التنظيم حالياً سلطات واسعة، إذ إنه يجني الضرائب، وينظم المحاكمات، ويجبر القصر للانخراط في صفوف مقاتليه، وينفذ عمليات تفجير انتحارية.

وخلال الأسابيع التي سبقت التصويت وانتخاب الرئيس، قام تنظيم الشباب بقتل المدنيين بمن فيهم رواد المطاعم الواقعة على الشاطئ، ونفذ هجمات كبيرة على قوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام، وقتل 10 منهم تابعين لدولة بوروندي، ونفذ عناصره عمليات انتحارية تفجيرية في سيارات المسؤولين الحكوميين.

تدهور الأوضاع

وأعرب العشرات من المواطنين وأعضاء البرلمان والمحللين، والدبلوماسيين، وموظفي الإغاثة في مقابلات متعددة قبل الانتخابات عن قلقهم نتيجة تدهور الأوضاع السياسية والأمنية والإنسانية في الصومال، التي عاشت بضع سنوات هادئة بعد طرد الشباب من العاصمة عام 2011.

ويقول المراقبون إن المعارك السياسية طويلة الأمد خصوصاً في ما يتعلق بالانتخابات، أدت إلى تقويض قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية، حتى بعد تخفيف الديون ومحاولة الانضمام إلى النظام المالي العالمي. واتهم المعارضون الرئيس السابق محمد بمحاولة الحفاظ على السلطة مهما كلف الثمن، حيث مارس ضغوطاً على اللجنة الانتخابية، وعين مسؤولين حكوميين يساعدونه على فرض سلطته على الانتخابات، وحاول ملء البرلمان بشخصيات من اتباعه، عن طريق استخدام أجهزة المخابرات. وفي العام الماضي وقّع قانوناً يقضي بتمديد فترة حكمه لعامين، واندلع القتال في شوارع العاصمة، الأمر الذي اضطره إلى إلغاء هذا القانون. وقال المراقبون إن انتخاب أعضاء البرلمان العام الماضي شابه الكثير من الفساد.

انتخابات برلمانية سيئة

وقال عبدي إسماعيل سماطر عضو البرلمان الصومالي، والأستاذ بجامعة مينوسوتا الأميركية، والباحث في مجال الديمقراطية الإفريقية، إن انتخابات البرلمان العام الماضي «كانت الأسوأ في تاريخ الصومال»، وأضاف «لم أتخيل يوماً أن ينخر الفساد الانتخابات الصومالية إلى هذا الحد»، وقال السفير الأميركي في الصومال، لاري أندر، إن أغلبية مقاعد البرلمان تم اختيارها من قبل القادة المحليين حيث تم «بيعها».

وبالنظر إلى طبيعة الانتخابات الرئاسية غير المباشرة، لا يقوم المرشحون بحملات انتخابية في الشوارع. بل يلتقون مع أعضاء البرلمان والزعماء القبليين في فنادق فاخرة، ومجمعات يحرسها الجنود. وينشر بعض المرشحين يافطات يكتب عليها شعارات تعد بالحكم الرشيد، والعدل والسلام. ولكن قلة في مقديشو يقتنعون بمثل هذه التعهدات. وقالت الطالبة، جميلة عدنان، التي تدرس العلوم السياسية في جامعة سيتي «الجميع يرتدون بدلاً جميلة ويقدمون وعوداً حلوة مثل العسل، ولكننا لا نصدقهم».

وبالنظر إلى الاقتتال الداخلي والشلل الذي تعانيه الحكومة، يتساءل الكثير من الصوماليين عما إذا كانت الإدارة الجديدة للبلاد، يمكن أن تحقق الفرق للصوماليين.

التحول إلى محاكم الشباب

وتحول بعض الصوماليين للحصول على الخدمات من تنظيم الشباب، ويسافر العديد من الصوماليين إلى مناطق تبعد عنهم عشرات الأميال شمالاً لحل قضاياهم في محاكم الشعب المتنقلة، وأحد هؤلاء الصوماليين هو رجل الأعمال، علي أحمد، وهو من أقلية قبلية تم احتلال منزل عائلته في مقديشو، من قبل أفراد قبيلة قوية سنوات عدة. وقال أحمد إن محكمة تنظيم الشباب قضت بأنه يجب على الأشخاص الذين يحتلون منزل عائلته مغادرته على الفور، وهذا ما تم فعلاً. وقال أحمد «إنه أمر محزن، ولكن لا يذهب أحد إلى محاكم الدولة، والقضاة الحكوميون يبلغونك سراً أن تذهب إلى محاكم تنظيم الشباب» كما أن التجار يدفعون ضرائبهم إلى الشباب، خوفاً من التهديد على تجارتهم وحياتهم.

واعترف بعض المسؤولين الحكوميين بنواقص الحكومة، وعمل تنظيم الشباب على توسيع قاعدته الضريبية، لأن المسؤولين المنتخبين كانوا منشغلين بالسياسة بدلاً من إدارة شؤون الناس، وفق ما ذكره أحد المسؤولين الحكوميين، الذي رفض الكشف عن اسمه لأنه غير مخول بذلك.

أسوأ جفاف منذ عقود

وجاءت انتخابات يوم الأحد الماضي في الوقت الذي يواجه جزء من الصومال أسوأ حالة جفاف لم تقع منذ أربعة عقود، ويعاني نحو ستة ملايين شخص من النقص الشديد للغذاء، وفق برنامج الغذاء العالمي، في حين أن 760 ألفاً تشردوا من منازلهم. ويعيش نحو 900 ألف من الذين تأثروا بنقص المواد الغذائية في مناطق يسيطر عليها تنظيم الشباب وفق الأمم المتحدة، ولذلك لا تستطيع منظمات المساعدة الوصول إليهم، وفسدت المحاصيل كما يطالب تنظيم الشباب بفرض ضرائب على المواشي، وفق المقابلات التي أجريت مع مسؤولين وأشخاص مشردين من منازلهم.

وللعثور على المواد الغذائية ومياه الشرب، تسافر العائلات مئات الأميال، وأحياناً على الأقدام إلى مدن وبلدات مثل مقديشو ودولاو، في جنوب منطقة جيدو الصومالية. وقال بعض الآباء إنهم دفنوا أطفالهم على الطريق، في حين قال آخرون إنهم تركوا أطفالهم الضعفاء خلفهم، لإنقاذ الآخرين الذين هم أكثر قوة على السير.

ويقول المدير التنفيذي لمعهد التراث للدراسات السياسية في مقديشو، أفيار عبدي إيلمي، إن التعامل مع تنظيم الشباب من أهم التحديات التي تواجه الحكومة الصومالية المقبلة، ويضيف عبدي إن الرئيس الجديد بحاجة أيضاً إلى وضع دستور جديد يهدف إلى الإصلاح الاقتصادي، والتعامل مع التغير المناخي، وفتح حوار مع منطقة صوماليلاند، المنفصلة عن الدولة بهدف توحيد الدولة، وقال «أصبح الحكم في الصومال صعباً خلال السنوات الماضية، والناس الآن مستعدة لفجر جديد».

• سيواجه محمود، 66 عاماً، حزمة من التحديات خلال فترة حكمه التي تمتد لأربع سنوات، خصوصاً قوة تنظيم الشباب، وهي مجموعة إرهابية تتمتع بقبضة قوية على أجزاء كبيرة من الدولة.

• يقول المراقبون إن المعارك السياسية طويلة الأمد، خصوصاً في ما يتعلق بالانتخابات، أدت إلى تقويض قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية، حتى بعد تخفيف الديون ومحاولة الانضمام إلى النظام المالي العالمي.

• يعاني نحو ستة ملايين شخص النقص الشديد للغذاء، وفق برنامج الغذاء العالمي، في حين أن 760 ألفاً تشردوا من منازلهم. ويعيش نحو 900 ألف من الذين تأثروا بنقص المواد الغذائية في مناطق يسيطر عليها تنظيم الشباب وفق الأمم المتحدة.

عبدي لطيف ضاهر ■ مراسل «نيويورك تايمز» في شرق إفريقيا

تويتر