تصاعدت وتيرة الاعتداء ضد الحي المقدسي منذ نوفمبر الماضي

لمواجهة «حرب المستوطنين».. سكان «الشيخ جراح» حبيسو منازلهم

صورة

في الجزء الشرقي لحي الشيخ جراح بمدينة القدس الشريف، والمعروف باسم «كرم الجاعوني»، يقضي المواطن المقدسي والمتحدث باسم لجنة الدفاع عن أهالي حي الشيخ جراح، صالح ذياب (55) عاماً، جلّ وقته جالساً أمام منزله المهدد بالمصادرة والهدم لمصلحة المستوطنين، وذلك تحسباً من تجدد هجوم المستوطنين ضد السكان ومنازلهم.

وقبيل غروب الشمس، تتحول منازل حي الشيخ جراح إلى ما يشبه السجون، حيث يغلق ذياب عند هذا الوقت باب منزله، ويمنع أولاده وأحفاده من الخروج، خشية تعرّضهم لاعتداءات المستوطنين، التي تنفذ بحماية مطلقة من قوات الاحتلال الإسرائيلي.

هذه الحالة المريرة، يعيش تفاصيلها جميع سكان حي الشيخ جراح في شطريه الشرقي، والغربي المعروف باسم «أرض النقاع»، حيث يحبسون أنفسهم وعائلاتهم داخل منازلهم، هرباً من ضراوة أحداث «حرب المستوطنين»، كما يصفها المقدسيون، والتي زادت حدتها خلال يومي السبت والأحد الماضيين، حيث هاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي ومئات المستوطنين الأهالي المقدسيين والمتضامنين معهم، بغاز الفلفل والمياه العادمة والضرب المبرح، ما أسفر عن إصابة (32) مقدسياً، واعتقال (17) شاباً.

ويحتضن حي الشيخ جراح (28) عائلة مقدسية، تضم (500) مقدسي، جميعهم يتعرضون لخطر التشرد والطرد من منازلهم، وسلب أراضيهم وممتلكاتهم، لمصلحة الجمعيات الاستيطانية، وبالتالي يواجهون تهجيراً يجمع بين نكبة 1948، ونكسة 1967 في آنٍ واحد.

ساحة حرب

«الإمارات اليوم» تواجدت في حي الشيخ جراح، في اليوم التالي من هجوم المستوطنين وقوات الاحتلال على السكان الفلسطينيين، حيث أجواء من التوتر الشديد تخيم على أرجاء الحي قاطبة، فقوات الاحتلال مستمرة في حصارها الحي المقدسي، منتشرة بكثافة على مداخله ومخارجه، فيما يوجد المستوطنون بالمئات أمام المنازل المقدسية التي استولوا عليها في السابق، فيما يحيطون منزل الحاجة المقدسية فاطمة سالم، المهدد بالإخلاء والمصادرة.

ويقول المتحدث باسم لجنة الدفاع عن أهالي حي الشيخ جراح، صالح ذياب: «نحن نعيش في الحي حالة حرب حقيقية، نتيجة اعتداءات قوات الاحتلال والمستوطنين ضد السكان والمنازل، وانتقلت أحداث هذه المواجهات من شوارع وأزقة الحي، إلى داخل منازلنا، حيث يقتحم الاحتلال ومستوطنوه بيوتنا، ويعتدون على جميع السكان بالضرب المبرح، إلى جانب اعتقال العشرات من السكان».

ويضيف «حي الشيخ جراح أصبح على يد الاحتلال ساحة حرب دامية، من أجل تحقيق أطماع المستوطنين بحق منازلنا وممتلكاتنا، التي نمتلكها منذ آلاف السنين، حيث تستخدم القوات الإسرائيلية بحقنا الأعيرة النارية المطاطية، وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، وفي المقابل تفتح الطريق أمام المستوطنين لتنفيذ اعتداءاتهم، في ظل توفير الحماية المطلقة لهم».

ويتابع ذياب «نتيجة خطورة هذه المشاهد أصبحنا أسرى داخل منازلنا، فطوال الوقت نجلس أمامها لا نغادرها أبداً، وقبيل غروب الشمس بلحظات نحبس أطفالنا داخل المنازل، ونخشى عليهم من مغادرتها أو الوقوف على أبوابها، خشية تعرضهم للاعتقال من قبل عناصر شرطة الاحتلال، والاعتداء من قبل المستوطنين».

ويبين أن واقع الأحداث في حي الشيخ جراح أشبه بساحة حرب، فالمستوطنون يحيطون منازل المقدسيين بحماية عناصر الشرطة الإسرائيلية، أما وتيرة الاعتداءات فتزداد بين الفينة والأخرى، ضد السكان المقدسيين، لافتاً إلى أن عناصر من اليمين المتطرف وحزب الليكود الإسرائيلي موجودون منذ اليوم التالي لاعتداء المستوطنين الأخير على الحي في محيط بيوت سكان الحي.

ويمضي المتحدث باسم لجنة الدفاع عن أهالي حي الشيخ جراح بالقول: «نحن نخشى اليوم على أطفالنا من الاعتداء والضرب من قبل قطعان المستوطنين، ومازالت بيوتنا عرضة للاعتداء والاقتحام في كل لحظة، فقد اعتدوا بحماية عناصر الشرطة على الآمنين داخل منازلهم، وألقوا عليهم قنابل الصوت والمياه العادمة».

تصاعد الاستيلاء

اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال ضد حي الشيخ جراح، ارتفعت حدتها منذ شهر نوفمبر الماضي، بعد رفض المقدسيين مقترح التسوية الإسرائيلي، الذي اقترحته المحكمة العليا الإسرائيلية، بشأن تهجيرهم من منازلهم، واليوم ازدادت مخاوف سكان الحي المقدسي من استمرار هذه المواجهات، وطردهم من منازلهم بقوة السلاح، لاسيما بعد افتتاح عضو الكنيست الإسرائيلي اليميني المتطرف، أيتمار بن غفير، مكتباً خاصاً له في الحي.

واقترحت المحكمة على الأهالي اعتبارهم مستأجرين محميين لفترة زمنية، والتوصل إلى تسوية مع المستوطنين، إلا أن أهالي الحي رفضوا هذا العرض بالإجماع، وبشكل قطعي.

ويقول المتحدث باسم لجنة الدفاع عن أهالي حي الشيخ جراح: «إن حالة الحرب التي نواجهها من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال، قائمة منذ اليوم الثاني لشهر نوفمبر 2021، بعد رفضنا مقترح التسوية والإغراءات المالية مقابل إخلاء منازلنا للمستوطنين، فقد تصاعدت وتيرة الاستيلاء على منازلنا وممتلكاتنا، بشكل غير مسبوق».

ويلفت إلى أن الاحتلال سلب خلال هذه الفترة (16) دونماً من أراضي سكان حي الشيخ جراح، كما أخلت القوات الإسرائيلية منزل عائلة الصالحية في الحي، وأخطرت منزل الحاجة المقدسية فاطمة سالم، من أجل الاستيلاء عليه.

ويواصل ذياب حديثه قائلاً: «نتعرض يومياً في حي الشيخ جراح لاعتداءات مستمرة من قبل المستوطنين، حيث يهاجمون منازلنا بالحجارة، ويعتدون على عائلاتنا بالضرب المبرح، في ظل حماية مطلقة من عناصر الشرطة الإسرائيلية؛ إلى جانب توجيه الشتائم المعادية بحقنا، والبصق علينا عندما نقف أمام منازلنا، أو نسير في شوارع حيّنا المقدسي».

السكان حراس منازلهم

على بعد أمتار عدة من منزل عائلة ذياب، كان يستعد المواطن المقدسي أحمد الصباغ للجلوس أمام منزله، بعد أن أسدل الليل ستاره، ممسكاً بيده إبريقاً من الشاي، يرافقه طوال الليل، لمنحه الدفء في ظل أجواء البرد القارس، وذلك لحراسة بيته ومنازل المقدسيين من أي هجوم محتمل من المستوطنين وقوات الاحتلال.

ويقول المواطن المقدسي: «إن أجواءً من التوتر الشديد تسود بين سكان الحي المقدسي، حيث يحرمون من الراحة والهدوء ليلاً ونهاراً، فجميعهم في حالة من الترقب والقلق، تحسباً لتعرضهم لأي اعتداء وهجوم من قبل جماعات المستوطنين».

ويضيف «الآن نقوم جميعنا، سكان الحي المقدسي، بحراسة منازلنا ليلاً ونهاراً، لمواجهة خطر اعتداءات وهجوم المستوطنين، الذين يفرضون علينا حرباً واسعة، وحصاراً شاملاً».

ويصف الصباغ تفاصيل حياة سكان الحي المقدسي اليومية حالياً بالمأساوية، ليضيف «نحرم من النوم طوال الليل، لنعيش حالة ذعر وترقب دائمة تجبرنا على اليقظة بشكل مستمر، وفي ساعات النهار يتناوب السكان على النوم لساعات قليلة، تحسباً لأي هجوم استيطاني مفاجئ».

• اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال ضد حي الشيخ جراح، ارتفعت حدتها، بعد رفض المقدسيين مقترح التسوية الإسرائيلي من قبل المحكمة.

• واقع الأحداث في حي الشيخ جراح أشبه بساحة حرب، فالمستوطنون يحيطون منازل المقدسيين بحماية عناصر الشرطة الإسرائيلية، أما وتيرة الاعتداءات فتزداد بين الفينة والأخرى، ضد السكان المقدسيين.

تويتر