ضغوط متصاعدة على الطرفين دون أُفق للحل

أبعاد كشف واشنطن تفاهماتها العسكرية مع إسرائيل ضد إيران

صورة

تزايدت المخاوف الدولية والإسرائيلية بشأن إمكانية انهيار الجولة السابعة من المفاوضات النووية، بسبب تعنت طهران في هذه المفاوضات، وتقديمها مسودتين تتعلقان برفع العقوبات، وكذلك بالإجراءات النووية التي ستلتزم بها، والتي تخالف ما تم الاتفاق عليه خلال الجولات السابقة من التفاوض. ولذلك اعتبر الغرب الجولة الجارية بمنزلة الفرصة الأخيرة لإيران، وإلا فإن المسار البديل، سيكون تجربة خيارات غير دبلوماسية، أي تشديد العقوبات بالتزامن مع تنفيذ عمليات تخريبية أو عسكرية ضد إيران.

ووضحت بدايات هذا المسار في فرض الولايات المتحدة، في 7 ديسمبر، عقوبات جديدة تستهدف نحو 10 كيانات ومسؤولين إيرانيين، أي بعد انتهاء المرحلة الأولى من مفاوضات الجولة السابعة، وقبل استئناف المرحلة الثانية، والتي بدأت في 10 ديسمبر، وذلك بالتزامن مع وجود مباحثات أميركية – إسرائيلية مكثفة بدأت في 9 ديسمبر حول الخيارات البديلة للدبلوماسية. ومن المعروف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، قد طالب في أوائل ديسمبر، بوقف الجولة السابعة من المفاوضات مع إيران، رداً على قيامها بـ«الابتزاز النووي»، في إشارة إلى مماطلتها وتسويفها في المفاوضات.

تحركات إسرائيلية موازية:

كثفت إسرائيل تحركاتها خلال الأيام القليلة الماضية لتعزيز قدراتها على التصدي للتهديدات الإيرانية المتصاعدة، وتتمثل أبرز الخطوات الإسرائيلية في التالي:

1- الاستعداد لمحاكاة ضرب إيران

سرّب الجيش الإسرائيلي معلومات إلى الصحافة عن استعداده لإجراء مناورات جوية ضخمة خلال أشهر الربيع المقبلة تحاكي ضربة عسكرية محتملة لإيران. كما كشف أن هذه المناورات ستكون من أكبر التدريبات التي أجراها سلاح الجو الإسرائيلي على الإطلاق.

2- تنسيق غانتس مع البنتاغون

سعى وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، خلال لقائه نظيره الأميركي، لويد أوستن، في 9 ديسمبر بواشنطن لمناقشة خيارات التعامل مع إيران حال إخفاق المفاوضات النووية. وكشف مسؤول أميركي كبير أن جدول الأعمال الأميركي – الإسرائيلي يتضمن مناقشة التدريبات العسكرية المحتملة التي من شأنها أن تهيئ لتدمير المنشآت النووية الإيرانية في حالة فشل المساعي الدبلوماسية.

وفي سبيل تأكيد جدية هذا الخيار، تضمنت المناقشات دراسة البنتاغون إمكانية تنفيذ مناورات عسكرية مشتركة لمواجهة إيران، إذ أكد الوزير الإسرائيلي أنه أتى لتعميق التعاون مع الولايات المتحدة في مواجهة إيران، لاسيما على صعيد الجهوزية العسكرية المشتركة، مع التأكيد على الثقة الإسرائيلية في التزام الإدارة الأميركية بعدم السماح بتملك إيران السلاح النووي.

3- مهاجمة أهداف في الأطراف

اصطحب غانتس في زيارته واشنطن رئيس جهاز الموساد، ديفيد بارنيا. وتجدر الإشارة إلى أن تل أبيب كانت قد توصلت لتفاهمات سابقة مع الإدارة الأميركية على خطة بديلة للمفاوضات النووية مع إيران، عرفت حينها باسم «الموت بألف طعنة»، أي تدمير البرنامج النووي الإيراني عبر تنفيذ عدد واسع من العمليات التخريبية، ضد المنشآت النووية. وبطبيعة الحال، فإن الموساد الإسرائيلي بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية سيلعب دوراً في تنفيذ هذه الاستراتيجية.

4- مسار دبلوماسي للتأثير على الموقف الأوروبي

أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، في أواخر نوفمبر زيارة إلى لندن وباريس؛ لحشد دعم الحلفاء الأوروبيين لصالح الموقف الإسرائيلي الرافض للمفاوضات مع إيران.

وتحرص إسرائيل باستمرار على دحض السرديات التي تحصر الخطر الإيراني في انعكاسه على الأمن الإسرائيلي وحده، بل تؤكد دوماً أنها تمثل تهديداً للأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، بما يعنيه ذلك من ضرورة تدخل الولايات المتحدة والدول الأوروبية والمجتمع الدولي للضغط على إيران.

تحولات الموقف الأميركي

تسود حالة من الاستياء الأميركي بشأن المماطلة الإيرانية في الجولة السابعة من المفاوضات النووية، ما دفع واشنطن والترويكا الأوروبية للتعبير عن إمكانية انهيار المفاوضات، وذلك للضغط على إيران. ويمكن توضيح سياسات واشنطن على النحو التالي:

1- استيعاب الخلافات الإسرائيلية – الأميركية:

تفاقمت الخلافات الأميركية – الإسرائيلية منذ قدوم إدارة جو بايدن على اثر إصراره على حل مشكلة البرنامج النووي الإيراني دبلوماسياً، إذ ترى الدوائر الإسرائيلية أن إيران تعمد إلى التسويف، وأن استبعاد الخيار العسكري من الطاولة من جانب واشنطن سيترتب عليه تعنت إيراني في المفاوضات، وهو ما تحقق بدرجة أو بأخرى.

ونظراً لإدراك واشنطن ذلك، فقد سعت للتعاون مع إسرائيل لتأليف جبهة موحدة لمواجهة تهديدات البرنامج النووي الإيراني عسكرياً.

2- الاستعداد لحلول غير دبلوماسية

دعا الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى مباشرة التحضيرات اللازمة في حال فشلت السبل الدبلوماسية، وهو ما صرحت به المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، في 9 ديسمبر، في إشارة إلى تفعيل الخيار التخريبي أو العسكري ضد إيران.

كما لوحت الإدارة الأميركية أيضاً بتشديد الضغط على إيران عبر ضمان التزام الدول كافة بالعقوبات الأميركية عليها، خصوصاً الصين، فقد أشار المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، إلى أن الإدارة الأميركية تعمل على تحديد الكيانات التي تخرق العقوبات على إيران، وتحرص على تحذيرها من الاستمرار في ذلك.

3- الإعلان عن مناورات عسكرية مشتركة

درس غانتس وأوستن، في 9 ديسمبر، في البنتاغون تنفيذ مناورات عسكرية مشتركة من أجل الاستعداد لشن ضربة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية في حال فشلت المحادثات النووية. ثم سعت واشنطن لتخفيف حدة هذه التصريحات عبر التأكيد بأن تلك التدريبات المشتركة تجريها الولايات المتحدة بشكل متكرر من أجل التعامل مع التهديدات الإقليمية المشتركة.

حدود التوافقات المشتركة

يتضح أن محاولات إحداث توافق نسبي في الموقف الأميركي – الإسرائيلي لا تلغي وجود خلافات بين الطرفين، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- تفضيل واشنطن الحل الدبلوماسي:

على الرغم من إعادة واشنطن خيار توجيه ضربات عسكرية، أو تخريبية ضد البرنامج النووي الإيراني، أو وكلائها، على الطاولة، وكشف واشنطن أن العمليات التخريبية الإسرائيلية ضد إيران، في يونيو وسبتمبر، قد تمت بضوء أخضر أميركي، فإن واشنطن لاتزال تضع الخيار التخريبي العسكري في آخر خياراتها.

2- رهان إسرائيلي على الخيار العسكري وحده

ترفض تل أبيب أي اتفاق دبلوماسي بين واشنطن وإيران، إدراكاً منها أن مثل هذا الاتفاق قد لا يضمن منع إيران من تطوير قدراتها في مجال تخصيب اليورانيوم، على غرار اتفاق 2015، أي أن مثل هذا الاتفاق المتوقع سيطيل من الفترة التي تستطيع فيها إيران أن تصل لمستويات مرتفعة من تخصيب اليورانيوم، ولن يمنعها تماماً.

كما أنه في ضوء السوابق الإيرانية بمحاولة إقامة برنامج نووي سري بعيداً عن أعين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن المخاوف الإسرائيلية تزداد من إمكانية اتجاه إيران، في النهاية، لامتلاك قنبلة نووية حتى في حالة إحياء الاتفاق النووي معها. ولذلك أكد بينيت، مراراً، عدم التزامه بالانصياع لمثل هذا الاتفاق، كما أكد إمكانية تحرك إسرائيل منفردة لتحقيق أمنها القومي.

العامل الحاسم

الموقف الإيراني سيمثل العامل الحاسم فيما إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل ستتبنيان سياسة مشتركة تجاه إيران أم لا. ففي حالة إبداء طهران مرونة في المفاوضات، فإن التفاهمات الأميركية – الإسرائيلية ستتراجع. أما في حالة استمرار التعنت الإيراني، فإن واشنطن وتل أبيب قد تتجهان في النهاية لتفعيل الخيار العسكري ضد إيران.

• على الرغم من إعادة واشنطن خيار توجيه ضربات عسكرية، أو تخريبية ضد البرنامج النووي الإيراني، أو وكلائها، على الطاولة، وكشف واشنطن أن العمليات التخريبية الإسرائيلية ضد إيران، في يونيو وسبتمبر، قد تمت بضوء أخضر أميركي، فإن واشنطن لاتزال تضع الخيار التخريبي العسكري في آخر خياراتها.

• ترفض تل أبيب أي اتفاق دبلوماسي بين واشنطن وإيران، إدراكاً منها أن مثل هذا الاتفاق قد لا يضمن منع إيران من تطوير قدراتها في مجال تخصيب اليورانيوم، على غرار اتفاق 2015، أي أن مثل هذا الاتفاق المتوقع سيطيل من الفترة التي تستطيع فيها إيران الوصول لمستويات مرتفعة من التخصيب، ولن يمنعها تماماً.

تويتر