خبير أميركي: يتعين على واشنطن أن تقدم القدوة داخلياً

قمة بايدن من أجل الديمقراطية لن تجعل أميركا أكثر أماناً

صورة

دعا الرئيس الأميركي جو بايدن أكثر من 100 دولة إلى المشاركة، افتراضياً، في «قمة من أجل الديمقراطية»، المقررة يوم الخميس المقبل، بهدف العمل من أجل تعزيز الديمقراطية في شتى بقاع العالم، ووقف ما تشهده من تدهور.

ويصف بايدن رؤيته للسياسة الخارجية لبلاده بأنها منافسة بين الديمقراطيات في العالم، بقيادة الولايات المتحدة، وبين النظم الاستبدادية، بقيادة الصين وروسيا.

ويقول الخبير والباحث المشارك بمركز الأبحاث الأميركي «ديفينس برايورتيز»، ساشا جلايسر، الذي يركز على استراتيجية الولايات المتحدة الكبرى، والأمن الدولي، والعلاقات عبر الأطلسي، إن من شأن هذه القمة أن تجعل النخبة في واشنطن تشعر بأن لها الأفضلية الأخلاقية، ولكن وضع العلاقات الدولية في هذا الإطار، أمر يتسم بالسذاجة والخطورة.

ويضيف جلايسر في تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة يجب أن تخدم مصالح الشعب الأميركي، على أكمل وجه، ويتطلب ذلك أحياناً العمل مع أنظمة أقل مستوى، فالقضايا العالمية مثل منع انتشار الأسلحة النووية، ومكافحة الإرهاب العابر للحدود، ومواجهة الأوبئة، وتخفيف حدة تداعيات التغير المناخي، وتعزيز التجارة النزيهة، تتطلب أن تتعاون الدول، دون النظر إلى هياكل السياسة الداخلية لدى كل منها.

ويرى الباحث ساشا جلايسر أن قرار الرئيس بايدن، بصياغة السياسة الخارجية لبلاده على أساس أيديولوجية «نحن في مقابل هم» بدلاً من السعي وراء المصالح الجوهرية للبلاد، سوف يكون مصيره، قيادة الشعب الأميركي إلى طريق أقل أماناً وأقل رخاء.

إعلان شأن الإيديولوجيا

ولسوء الحظ، فإن بايدن هو مجرد أحدث رئيس أميركي يُعلي من قيمة الإيديولوجيا على حساب المصالح. لقد أغفلت الولايات المتحدة بعد خروجها منتصرة من الحرب الباردة، السبب الذي ساعدها في تحقيق النصر- ألا وهو تبني سياسة خارجية تستند إلى المصالح- وبدلاً من ذلك، وفي ظل عدم وجود خصم في الأفق قادر على تحدي الهيمنة الأميركية، اندفعت الولايات المتحدة في حملة لإعادة تشكيل العالم على صورتها.

وقد اعتقد صناع السياسة الأميركية، من الحزبين الرئيسين، الجمهوري والديمقراطي، على غير صواب أن استخدام القوة العسكرية هو كل ما يحتاجونه لتحويل دول مثل أفغانستان، والعراق، وليبيا، إلى ديمقراطيات ليبرالية. ولم يكن من قبيل المفاجأة فشل جهود هندسة الأمم الأخرى اجتماعياً، ما أدى إلى الفوضى، وتراجع أمن أميركا وازدهارها ومكانتها في العالم.

تدخلات بلا طائل

ويعتقد جلايسر أن عمليات التدخل العسكري الأميركي في دول لا تتمتع بقيمة استراتيجية كبيرة، قد صرفت واشنطن عن قضايا أكثر إلحاحاً، وبصفة خاصة الصعود المذهل للصين، إذ أدت عقود من السياسة الخارجية الأميركية التي هدفت إلى نشر الديمقراطية والقيم الليبرالية، بين شعوب ليس لها تاريخ أو اهتمام بهذه الطريقة للحياة، إلى تآكل قوة أميركا النسبية في مواجهة الصين.

ففي الوقت الذي أهدرت فيه الولايات المتحدة الدماء والأموال في الشرق الأوسط، كانت الصين تنمو على نحو فاحش الثراء. وقد اتجهت النخبة الأميركية بقوة نحو تطبيع العلاقات التجارية مع الصين، ودمجها في المؤسسات الاقتصادية العالمية مثل منظمة التجارة العالمية، استناداً إلى اعتقاد بأن ذلك من شأنه أن يحول الصين إلى الديمقراطية، وأن يجعل منها قوة عالمية مؤثرة ومسؤولة. ولكن أميركا، بدلاً من ذلك، ساعدت في تمكين عملاق يقوم حالياً بتحويل قوته الاقتصادية الضخمة إلى قوة عسكرية، ويسعى إلى تحدي الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ.

وتتمتع الصين بإمكانية أن تصبح أكبر عدو تواجهه الولايات المتحدة في تاريخها، بإجمالي سكان أكثر من 1.4 مليار نسمة، واقتصاد يتجه إلى تجاوز أميركا ليصبح الأكبر في العالم.

ويرى جلايسر أنه من أجل أن تظل أميركا الدولة الأكثر قوة في العالم، ومن ثم الأكثر أماناً، يتعين عليها تبني سياسة خارجية تركز على المصلحة، وتعكس الواقع الجيوسياسي لعام 2021، وليس لعام 2001.

ويوصي جلايسر الرئيس بايدن بأن يتعلم من التاريخ، ويقول إنه خلال أربعينات القرن الماضي تحالفت أميركا مع الاتحاد السوفييتي السابق، والذي لم يكن بالطبع حصناً للديمقراطية الليبرالية، وذلك من أجل هزيمة ألمانيا النازية. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، ظل الاتحاد السوفييتي القوة الوحيدة في العالم، التي تستطيع أن تهدد الولايات المتحدة. ومن أجل إدارة هذه المنافسة، تعاونت أميركا مع نظم عديدة غير ليبرالية، بينها الصين الشيوعية، عندما استغلت بحكمة الانقسام بين السوفييت والصين.

نهج واقعي

أما اليوم، فالصين هي الدولة الوحيدة التي تمتلك إمكانية تحدي الهيمنة الأميركية. وكما فعلت في الماضي، يتعين على أميركا تبني نهجاً واقعياً، بما يعني تنحية التحيزات الإيديولوجية جانباً والتعاون مع الدول غير الديمقراطية في آسيا، والتي لها مصلحة في تحقيق التوازن ضد الصين، مثل فيتنام وتايلاند، وسنغافورة، والفلبين، وحتى روسيا.

وأشار جلايسر إلى أنه لن يكون من قبيل الحكمة بالنسبة لأميركا أن تقيد نفسها بالتعاون فقط مع الدول التي تشاركها القيم نفسها، ونظام الحكم الرشيد. وبصورة أوضح، تظل الديمقراطية الليبرالية أعظم شكل من أشكال الحكم التي توصلت إليها البشرية، ورغم ذلك، أظهرت العقود الثلاثة الماضية أن محاولة نشر هذا النموذج في الخارج بالقوة من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية، وسيكون مصيره الفشل. وعوضاً عن ذلك، يتعين على واشنطن أن تقدم القدوة في الداخل الأميركي، بالحفاظ على أمن الأميركيين من خلال تتبع حكيم لمصالحها الاستراتيجية في الخارج، بمنأى عن الإيديولوجية.

وقد لخص رجل الدولة البريطاني الشهير، لورد بالمرستون، في إيجاز سبب ما اتسمت به السياسة الخارجية للإمبراطورية البريطانية من فعالية خلال القرن الـ19، بقوله: «ليس لنا حلفاء دائمون، أو أعداء دائمون. مصالحنا فقط هي التي لا تتغير، وإلى الأبد، ومن واجبنا الالتزام بها».

ويقول جلايسر في ختام تحليله إن صناع السياسة في أميركا تجاهلوا تماماً هذه الحكمة خلال العقود الثلاثة الماضية، ولا يبدو أن لدى الرئيس بايدن أي خطط لتبني هذا المنظور. ويؤكد جلايسر أن مصلحة الشعب الأميركي تكمن في وجود سياسة خارجية تركز على المصالح الجوهرية لبلادهم. ويرى أن «قمة من أجل الديمقراطية» تعقد عبر تطبيق زووم لن تؤدي إلى تغيير كبير في هذا الصدد.

• تتمتع الصين بإمكانية أن تصبح أكبر عدو تواجهه أميركا في تاريخها، بإجمالي سكان أكثر من 1.4 مليار نسمة، واقتصاد يتجه ليصبح الأكبر في العالم.

• اعتقد صناع السياسة الأميركية، من الحزبين الرئيسين، الجمهوري والديمقراطي، على غير صواب أن استخدام القوة العسكرية هو كل ما يحتاجونه لتحويل دول مثل أفغانستان، والعراق، وليبيا، إلى ديمقراطيات ليبرالية. ولم يكن من قبيل المفاجأة فشل جهود هندسة الأمم الأخرى اجتماعياً، مما أدى إلى الفوضى، وتراجع أمن أميركا وازدهارها ومكانتها في العالم.

تويتر