أصيبت بأمراض مزمنة داخل سجون الاحتلال نتيجة الإهمال المتعمد

المُحررة نسرين أبوكميل: حُرمت رؤية أبنائي السبعة على مدار 6 سنوات

صورة

«قبل التحرر من سجون الاحتلال بيوم واحد، راودتني هواجس ألا يعرفني طفلي الصغير أحمد، فقد اعتقلني الاحتلال بينما كان هو في شهره الثامن، ولكن عندما دخلت غزة عبر معبر بيت حانون (إيرز)، احتضنني وقال لي «أنتِ أمي»، وعلى الفور أزالت تلك العبارة مآسي ست سنوات من الحرمان خلف قضبان السجون الإسرائيلية».

هكذا تصف الأسيرة الفلسطينية المُحررة نسرين أبوكميل لحظة الالتقاء بأبنائها السبعة، بعد أن سمح لها الاحتلال بدخول قطاع غزة، بعد ثلاثة أيام من الإفراج عنها من سجن الدامون الإسرائيلي، والذي يقبع خلف قضبانه 31 أسيرة فلسطينية، جلهن أمهات. وتواصل أبوكميل حديثها بالقول: «منذ اليوم الأول لعودتي إلى منزلي لم يفارقني ابني أحمد (ست سنوات) لحظة واحدة، سواء داخل المنزل أو خارجه، وفي اليوم التالي أيقظني من النوم مبكراً، وأمضى وقته في حضني، ومن ثم طلب مني أن أعد له ولأشقائه طعام الإفطار، وكانت هذه أجمل لحظة، عندما اجتمعت مع أبنائي وزوجي تحت سقف واحد ومائدة واحدة، بعد سنوات عجاف من الفراق القسري».

«شبح» وتعذيب

التقت «الإمارات اليوم» أبوكميل داخل منزلها في حي «تل الهوى» في الجنوب الغربي من مدينة غزة، حيث كان يعج بالسيدات اللاتي قدمن لتهنئة الأسيرة المحررة بالإفراج عنها من سجون الاحتلال.

وتسرد الأسيرة الفلسطينية المُحررة تفاصيل عملية اعتقالها من قبل قوات الاحتلال المتواجدة على معبر «إيرز»، بتاريخ 18 أكتوبر عام 2015، بينما كانت متوجهة لزيارة والديها وأشقائها في مدينة حيفا، حيث مسقط رأسها.

وتبين أن جنود الاحتلال اقتادوها على الفور إلى معتقل «عسقلان» العسكري، ومكثت داخل مركز التحقيق 21 يوماً متواصلة، تعرضت خلالها لتحقيقٍ قاس، وتعذيب جسدي.

وتمضي أبوكميل بالقول: «بعد 11 يوماً من الاحتجاز في معتقل عسقلان تعرضت لما يعرف بعملية (الشبح)، حيث قيدت يدي، وعلقت في سقف غرفة التحقيق، فيما كانت ترتفع قدماي 20 سنتيمتراً عن سطح الأرض، ومكثت على هذه الحالة طوال 24 ساعة متواصلة، وأثناء ذلك كان الجنود يسكبون الماء البارد على وجهي وجسدي بينما كنت مكبلة اليدين والساقين». وتضيف: تعرضت خلال الاستجواب لسيل من التهم الملفقة، حيث أصدر الاحتلال بحقي حججاً واهية وهي التخطيط لتفجير مقرات حكومية إسرائيلية، وتجنيد شباب فلسطينيين لدخول الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا محض افتراء وكذب، فأنا كنت متوجهة للقاء أهلي في بيت العائلة في حيفا، ولم يكن بحوزتي لحظة الاعتقال سوى حقائبي الشخصية.

أمراض مزمنة

بعد انتهاء التحقيق داخل معتقل عسقلان، احتجزها الاحتلال في سجن هشارون، وبعد أسابيع عدة نقلت إلى سجن الدامون الذي أمضت خلف قضبانه مدة الأسر، حتى تم الإفراج عنها في 17 أكتوبر الجاري.

وتشير أبوكميل إلى أنه نتيجة ظروف الاعتقال المأساوية، والإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، أصيبت بأمراض مزمنة بعد أسابيع من اعتقالها، هي الضغط، والسكري، وحساسية الصدر، وأورام الساقين.

وعن ذلك تقول الأسيرة المُحررة: «بعد الانتقال إلى سجن الدامون اكتشفت إصابتي بالضغط وأورام الساقين، وبعدها توالت إصابتي بالأمراض المزمنة الأخرى، وكان الاحتلال يماطل في تأمين العلاج المناسب، وعندما كنت أطالبهم بتوفير الدواء، كانوا يحضرون الأدوية المسكنة فقط».

صوت وصورة

وتضيف أبوكميل: «عندما اعتقلني الاحتلال كان أطفالي صغاراً، ليحرمني طوال مدة الأسر من احتضانهم ورعايتهم، لتمضي سنوات عمرهم وقد حالت قضبان السجون دون أن أشاهدهم يكبرون أمام عيني يوماً تلو الآخر».

وكانت أعمار أبناء نسرين أبوكميل لحظة اعتقالها: فراس 13 عاماً، وفارس 12 عاماً، وأميرة 11 عاماً، وملك تسع سنوات، وداليا ثماني سنوات، ونادين خمس سنوات، وأصغرهم أحمد الذي كان يبلغ من العمر ثمانية أشهر.

وتكمل أبوكميل حديثها: حرمني الاحتلال زيارة أبنائي السبعة وزوجي على مدار ست سنوات، وكلما قدمت طلباً للسماح لزيارتهم، رفضته إدارة مصلحة السجون، بحجة أنه لا يسمح بزيارة أهلي من قطاع غزة، بينما كان أهالي الأسيرات يأتون لزيارتهن مرات عدة خلال السنة الواحدة.

وتضيف: من الأدلة على تعمد الاحتلال حرماني زيارة أبنائي، أن أهالي الأسيرات من غزة كانوا يحضرون لي صور أطفالي في كل زيارة، وكانت هذه هي الوسيلة الوحيدة التي مكنتني من رؤية أطفالي في مختلف أعمارهم.

ولم تكن صور أطفالها هي رفيق نسرين الوحيد خلف القضبان، حيث كانت تسمع صوت أطفالها بشكل شبه يومي عبر الإذاعات المحلية الفلسطينية، وهي، إذاعة صوت الأسرى، وإذاعة أجيال، وإذاعة صوت فلسطين، وإذاعة الراية.

وتقول الأسيرة المُحررة: كنت أسمع صوت أبنائي عبر أثير الإذاعات الفلسطينية التي كانت تخصص برامج عدة لإرسال أبناء الأسرى وعائلاتهم رسائل صوتية إلى ذويهم خلف القضبان، وكان أبنائي دائماً يوجهون لي رسائل صوتية، منها: «اشتقنا إليكِ كثيراً يا أمي»، «ننتظر لحظة تحررك على أحر من الجمر»، وكان أبنائي يخبرونني عبر الرسائل الصوتية بأنهم نجحوا في الامتحانات النهائية وانتقلوا إلى مرحلة دراسية جديدة.

وتضيف: كيلومترات معدودة فقط كانت تفصلني عن أطفالي، ورغم ذلك حرمت من احتضانهم وزيارتهم، ولكن صورهم وأصواتهم آنست وحشتي، وكانت ملاذي الوحيد للتخفيف من شدة حزني، نتيجة البعد القسري عنهم.

ومن بين الرسائل الصوتية التي كان يرسلها أبناء أبوكميل لها عبر أثير الإذاعات الفلسطينية، أنهم أعدوا روزنامة، تتضمن آخر 100 يوم من مدة اعتقالها.

وتمضي أبوكميل بالقول: صنعت أنا أيضاً «روزنامة»، تماماً كالتي أعدها أطفالي، وكل يوم يمضي أضع عليه دائرة، حتى انقضت تلك الأيام والتقيت بأطفالي، فشاهدت تلك «الروزنامة» التي لامست أيديهم يومياً، لتبقى شاهداً حياً على مأساة حرمتني من أبنائي على مدار سنوات عديدة.

وكان الاحتلال قد منع المُحررة أبوكميل من الوصول إلى عائلتها عقب عملية الإفراج عنها، بدعوى امتلاكها بطاقة هوية إسرائيلية، كونها تنحدر من مدينة حيفا، لكنها رفضت ذلك وأصرت على العودة إلى أطفالها وأسرتها في قطاع غزة.

وبعد ثلاثة أيام قضتها أبوكميل على معبر إيرز، وداخل منازل الفلسطينيين في مدينتي الخليل ورهط الفلسطينيتين، سمح الاحتلال لها بالدخول إلى غزة، وفق شروط عدة، وهي عدم السماح لها لمدة عامين بمغادرة غزة، وعدم الوصول إلى الداخل الفلسطيني المحتل، ودفع غرامة مالية بقيمة 4000 شيكل.

• «حرمني الاحتلال زيارة أبنائي السبعة وزوجي على مدار ست سنوات، وكلما قدمت طلباً للسماح بزيارتهم، رفضته إدارة مصلحة السجون، بحجة أنه لا يسمح بزيارة أهلي من قطاع غزة، بينما كان أهالي الأسيرات يأتون لزيارتهن مرات عدة خلال السنة الواحدة».

• «كنت أسمع صوت أبنائي عبر أثير الإذاعات الفلسطينية التي كانت تخصص برامج عدة لإرسال أبناء الأسرى وعائلاتهم رسائل صوتية إلى ذويهم خلف القضبان، وكان أبنائي يخبرونني بأنهم نجحوا في الامتحانات النهائية وانتقلوا إلى مرحلة دراسية جديدة».

تويتر