تحذير من موجة مدمرة من سلالات جديدة من كورونا تهدد الدول الغنية نتيجة تجاهل الفيروس في أفريقيا

كانت الدول الصناعية الغنية والمتقدمة الأشد تضررا من جائحة فيروس كورونا المستجد في موجتها الأولى، التي انطلقت في مارس 2020، في إيطاليا التي كانت الأشد معاناة من الخسائر البشرية للجائحة، وفي دول أوروبا الأخرى أو الولايات المتحدة التي كانت أكثر دول العالم معاناة سواء من حيث الوفيات أو الإصابات، وبريطانيا التي أصبحت أطول دول أوروبا معاناة من الجائحة.

والآن وبعد مرور ما يقرب من 15 شهرا على بدء الجائحة عالميا، بدأت الدول الغنية مناقشة موضوعات ما بعد الجائحة، مثل تخفيف القيود على الحركة والأنشطة الاقتصادية، وبرامج التطعيم وعودة الحياة إلى طبيعتها. في المقابل فإن أغلب دول قارة أفريقيا سقطت حاليا في قبضة الموجة الثالثة من الجائحة وتستعد للموجة الرابعة وربما الخامسة.

ومع انتشار السلالة المتحورة الأشد خطورة دلتا، في القارة الأقل تطعيما ضد فيروس كورونا في العالم، تتزايد أعداد الإصابات، لتتجاوز الطاقة الاستيعابية للمستشفيات، وترتفع أعداد الوفيات. وفي حين لا يوجد أمل كبير في تطعيم أعداد كبيرة من سكان أفريقيا خلال الشهور المقبلة، بسبب استمرار الدول الغنية في الاستحواذ على أغلب إنتاج اللقاحات المضادة للفيروس، يتوقع خبراء الوبائيات انطلاق موجة جديدة من الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا قبل نهاية العام الحالي.

وفي تحقيق نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء قال رئيس مكتب الوكالة بجنوب أفريقيا أنطوني سجوازين، إن انتشار السلالة الجديدة المتحورة في أفريقيا، ينطوي على خطورة كبيرة بظهور سلالات جديدة مقاومة للقاحات المتاحة حالياً وهو ما يهدد ليس فقط أفريقيا ولكن كل دول العالم.

ويقول مدير معهد كوسبي لأبحاث التسلسل الجيني في جنوب أفريقيا توليو دي أوليفيرا، إن "الموجة الثالثة (من جائحة كورونا) ستكون كارثة لآننا في جنوب أفريقيا وقارة أفريقيا ككل لا نحصل على اللقاحات التي نحتاجها بشدة. إذا لم نحصل على اللقاحات، خلال الشهور القليلة المقبلة، فسنواجه خطر موجة مدمرة أخرى من العدوى ليس فقط في عدد الإصابات وإنما أيضا في عدد الوفيات".

وبحسب تقديرات مركز أفريقيا لمكافحة الأمراض ومنع العدوى، فإن 1.1 % فقط من سكان أفريقيا البالغ عددهم حوالي 1.1 مليار نسمة هم الذين حصلوا على التطعيم، مقابل تطعيم 50% من سكان الولايات المتحدة وتطعيم كل المستهدفين من سكان بريطانيا. ومن بين 3 مليارات جرعة من لقاحات كورونا تم توزيعها على مستوى العالم، كان نصيب قارة أفريقيا 50 مليون جرعة فقط. وقد أصبحت تأثيرات هذا التباين واضحة.

ففي قارة أفريقيا تتضاعف أعداد الإصابات كل ثلاثة أسابيع، وأصبحت على حافة تجاوز أسوأ أسبوع في الجائحة بالنسبة لها. ففي يوم الجمعة الماضي وصل عدد الإصابات الجديدة في جنوب أفريقيا إلى مستوى قياسي. واضطرت مدن عديدة من جوهانسبرج في جنوب أفريقيا إلى كمبالا في أوغندا لفرض إجراءات إغلاق وأصبح عدد المرضى أكبر من عدد وحدات الرعاية المركزة بشدة. وفي الدول الأفقر في أفريقيا، يموت المرضى بسبب نقص الأوكسجين وعمال الرعاية الصحية، حيث يوجد ممرض واحد لكل 40 مريضا.

ويقول صانعو التوابيت وباعة الزهور في العاصمة الزامبية لوساكا، إنهم يكافحون لمواكبة الطلب المتزايد على خدماتهم بسبب تزايد أعداد الجنازات. وتقول الناشطة الاجتماعية الزامبية لورا ميتي إن أحد زملائها توفي بسبب كورونا، بعد أن قضى بعض الوقت في المستشفى، حيث لقي العديد من المرضى حتفهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن وحدات توفير الأكسجين. مضيفة أن النقص في أعداد العاملين في الأطقم الطبية كان له أيضا تأثيره على زيادة أعداد الوفيات.

وقالت ميتي إن أفراد التمريض يعانون من الضغط الهائل للعمل والإحباط، "لا يوجد عدد كاف منهم". وبحسب مركز أفريقيا لمكافحة الأمراض سجلت أفريقيا نحو 4ر5 مليون إصابة مؤكدة وحوالي 141 ألف وفاة بسبب كورونا، منذ بدء الجائحة. ولكن التقديرات تشير إلى أن الأعداد الفعلية غير المسجلة أكبر بكثير، حيث يصل عدد الوفيات في جنوب أفريقيا فقط إلى 176 ألف وفاة.

ويقول ماتشيديسو مويتي مدير إدارة أفريقيا في منظمة الصحة العالمية إن "سرعة وحجم الموجة الثالثة لجائحة كورونا في أفريقيا، أمر لم نشهده من قبل".

والآن فإن الدول الغنية مازالت تسيطر على إمدادات اللقاحات في العالم، حيث تشتري كميات أكثر من حاجتها. وفي حين تستهدف مبادرة كوفاكس العالمية لتوفير اللقاحات لكل دول العالم، نوزيع حوالي 1.8 مليار جرعة إلى 90 دولة فقيرة في العالم بحلول أوائل 2022، فإنها لم ترسل سوى 91 مليون جرعة حتى الآن.

ففي الهند التي كانت تأتي منها أغلب إمدادات مبادرة كوفاكس أوقفت تصدير الجرعات للتعامل مع تفشي الجائحة لديها.

وأخيرا يقول ريتشارد ميهيجو مدير برنامج التطعيم وتطوير اللقاحات في مكتب أفريقيا بمنظمة الصحة العالمية إن "أفريقيا لا تنتظر اللقاحات من العالم كصدقة. إنها تمثل فرصة أمام المجتمع الدولي لمنع ظهور سلالات جديدة من الفيروس أسرع انتقالا، تعيد كل الجهود حتى الجهود التي بذلتها الدول الغنية لاحتواء الجائحة إلى نقطة الصفر".

 

 

 

الأكثر مشاركة