«كوفيد-19» يحصد الأقليات وأصحاب الدخل المحدود

نجح الأطبّاء في تحديد العوامل التي تجعل بعض المصابين بكوفيد-19 أكثر عرضة لخطر الوفاة من غيرهم، مثل العمر والجنس والمشاكل الصحية.

 لكن بعد أشهر على ظهور الوباء في الصين، تشير أدلة إلى عوامل اجتماعية واقتصادية أخرى تحدد الإصابات والوفيات.

وبينما أصر مسؤولون في أوروبا والولايات المتحدة على أن كوفيد-19 لا يميّز بين شريحة وأخرى، إلا أن الأرقام تكشف غير ذلك.

وأظهرت سلسلة دراسات صدرت مؤخرا أن وفاة المتحدّرين من أقليات في بريطانيا والولايات المتحدة بكوفيد-19 مرجّح أكثر بما لا يتوافق مع نسبتهم المئوية مقارنة مع نظرائهم من ذوي البشرة البيضاء في البلدين اللذين يعتبران الأكثر تأثرا بالفيروس.

وفي مدينة شيكاغو الأميركية مثلا، بلغ معدل الإصابات 925 لكل 100 ألف أسود مقارنة بـ389 بالنسبة للبيض.

وكان معدل الوفيات حسب العمر في صفوف السود في مدينة نيويورك أعلى بأكثر من الضعف مقارنة بأقرانهم البيض، وهو اتجاه تدعمه دراسة أخرى أجراها معهد بريطانيا للدراسات المالية.

ووجدت الدراسة أن البريطانيين السود كانوا أكثر عرضة للوفاة بمرتين ونصف مرة عن البيض.

إضافة إلى ذلك، تشير العديد من الدراسات إلى أن الحرمان هو محدد رئيس في حالات الإصابة بالفيروس.

ووجدت مراجعة أجرتها جامعة أكسفورد لـ3600 نتيجة اختبار أن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الأكثر حرمانا في بريطانيا كانوا أكثر عرضة للفيروس بأربع مرات من أولئك الذين يعيشون في المناطق الفارهة.

وقدرت ورقة بحث قدمتها «إمبريال كوليدج» أن الأشخاص من شريحة الدخل الأدنى كانوا أكثر عرضة للوفاة بنسبة 32 في المئة من أصحاب الدخل الأعلى.

وقالت أستاذة ورئيسة قسم الصحة العامة العالمية في كلية الطب بجامعة إدنبره ديفي سريدهار إن عدم الاستعداد حينما ضرب الوباء كشف «نظاما ذا مستويين» في استجابة بريطانيا للفيروس.

وصرحت «اذا نظرنا الى شهر مارس - وهو أمر يثير العجب - فإنه كان بإمكانك شراء اختبار كوفيد من باب الفضول فحسب لمعرفة إذا كنت تحمل الفيروس أم لا، لو أنك غني أو لديك علاقات بما فيه الكفاية».

وأضافت «ولكن إذا كنت عاملا في مجال الصحة في جناح كوفيد ولديك أعراض، فلن يكون بإمكانك إجراء اختبار. هذا نظام مزدوج غير جيد للصحة العامة لأنك تحتاج إلى اختبار الأشخاص في الخط الأمامي».

ويزداد وضوح العلاقة بين الوفيات وعرق الضحايا لدى الموجودين على الخط الأمامي، بما في ذلك الأطباء والممرضات والعاملون في دور الرعاية.

ويحتفظ أستاذ التخدير في مستشفى «رويال يونايتد» في باث وجامعة بريستول تيم كوك بقاعدة بيانات عن وفيات العاملين في قطاع الصحة بكوفيد-19.

ونظرا لصعوبة الوصول إلى الأرقام الرسمية، بدأ هو وزملاؤه بالبحث في التقارير الإعلامية. وكانت النتائج مذهلة.

فمن بين 63 ممرضة وقابلة لقوا حتفهم جراء الفيروس في قاعدة بيانات كوك، تحدّر 76 في المئة من أقلية عرقية.

ومن بين 32 طبيبا وطبيب أسنان توفوا حتى الآن، فإن 30 منهم من غير البيض أي ما يعادل 94 في المئة.

وبشكل عام، شكل العاملون الصحيون المتحدرون من أقليات نحو 63 في المئة من الوفيات، على الرغم من أنهم يشكلون ما يزيد قليلاً عن 20 في المئة من القوى العاملة.

وصرح رئيس الجمعية الطبية البريطانية شاند ناغبول لوكالة فرانس برس أن الأرقام «صادمة».

وأضاف «لقد لعب العديد من هؤلاء الأطباء دورا واضحا للغاية في رعاية المرضى، ووفاتهم بكوفيد خسارة ملحوظة للغاية».

وقال كوك إنه فوجئ بالعدد غير المتناسب لوفيات العاملين في القطاع الصحي المتحدرين من أقليات عرقية، خاصة وأنه لم يكن مفهوما في البداية كعامل خطر عندما ضرب الوباء.

وصرح أن «الصين قامت بعمل جيد حقا في تزويدنا بالمعلومات لكن تعدد الثقافات هناك أقل من المجتمعات الأخرى في العالم».

وأضاف «كانت عوامل الخطر التي رأيناها تأتي من الصين تتعلق بالعمر ومرض السكر ومثبطات المناعة، وغير ذلك من عوامل الخطر المشابهة. هذا ما ركزنا عليه».

لكن في حين تظهر البيانات بوضوح أن الأقليات العرقية معرضة لخطر الموت من كوفيد-19 بشكل كبير، قال كوك إنه كان من الصعب تحديد السبب بدقة.

وأوضح «من المرجح أن يكون لدى الأقليات مجموعة من عوامل الخطر الأخرى. بالمقارنة مع السكان البيض، فإنهم أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، ومن المعروف أن هذه العوامل تعرّض المصابين بكوفيد لخطر متزايد».

لكن ذلك وحده لا يفسر سبب التباين، حيث قالت سريدهار إن العوامل الاجتماعية ربما لعبت دورا مهما.

وأوضحت «قد يكون ذلك بسبب وجود بعض الاستعدادات الجينية الكامنة، ولكن كنا لنتوقع بعد ذلك أن نرى المزيد من الوفيات في البلدان التي لديها أعداد أكبر من المتحدرين من هذه الأقليات، وليس هذا ما نراه».

وأضافت «العامل الوحيد المهيمن يتعلق بوضعهم الاجتماعي، خاصة مع العاملين الصحيين. ما نراه مع الأطباء من خلفيات عرقية سوداء أو آسيوية أو أقليات أخرى أمر مذهل حقا».

وفي السويد التي ترفض إجراءات الإغلاق الصارمة، أفادت وكالة الصحة العامة هذا الشهر بأن نسبة السكان المولودين في الصومال كانت أكبر بكثير بين أولئك الذين نقلوا إلى المستشفيات جراء كوفيد-19.

وشهدت المناطق الأكثر فقرا في العاصمة ستوكهولم -- حيث يعيش العديد من المهاجرين -- نسبة إصابات لكل فرد يزيد معدلها ثلاث مرات عن الأحياء الأكثر ثراء.

وتشير العديد من الدراسات في القطاع الصحي البريطاني إلى أن الأطباء والممرضات المتحدرين من أقليات عرقية قد يكونون ضحايا للتمييز المنهجي.

وفي مسح حديث لرابطة الأطباء البريطانيين شمل 16 ألف عامل في قطاع الصحة، تعرّض أطباء من أقليات عرقية للضغط للعمل في أجنحة رعايا مرضى الفيروس من دون معدات حماية شخصية كافية بنسبة تزيد ثلاثة أضعاف عن زملائهم البيض.

وجمع استطلاع حديث أجرته شبكة «آي تي في نيوز» الإخبارية حوالى 4000 رد من دون اسم من أطباء وممرضات، بما في ذلك العديد من الأفراد الذين أعربوا عن قلقلهم من أن وضعهم كمنتمين لأقلية عرقية يعرضهم لخطر أعلى.

وقال أحد المستطلعين «تم تهديدنا بالطرد إذا تحدثنا عن عدم السماح لنا بارتداء معدات الوقاية الشخصية».

وبالنسبة لناغبول، بات لزاما إضافة عامل الأقلية العرقية إلى قائمة عوامل خطر الإصابة بكوفيد-19 المعروفة.

وقال «يعرّضك وضعك كطبيب ينتمي إلى أقلية إلى خطر أكبر».

وأضاف «في حين أننا بالطبع نحتاج إلى فهم الأسباب كعاملين في مجال الرعاية الصحية وكأفراد أقلية عموما، فإن ما يتعين على هيئة الخدمات الصحية الوطنية القيام به هو التأكد من عدم وجود شريحة واحدة من القوى العاملة في خطر أكبر. يجب أن تكون الأولوية منع مزيد من الوفيات».

تويتر