شاهد عيان من الصين يروي لـ «الإمارات اليوم»:
الخفافيش والثعابين ليست وجبة رئيسة.. ووهان لم تتحول إلى مدينة أشباح
في ظروف صعبة ومعقدة تمرّ بها الصين حالياً، تتفاوت ردود أفعال المقيمين الأجانب هناك، فالبعض هرع مغادراً البلاد خوفاً من فيروس «كورونا»، الذي يثير الفزع في العالم وليس الصين فقط، فيما فضل قليلون البقاء ومواجهة الخطر بشجاعة، لأسباب مختلفة منها ارتباطهم وجدانياً بالمكان، وفي السطور التالية يروي الصحافي محمد مازن، المقيم في بكين، تفاصيل ما يحدث على الأرض، وكيف يواجه الشعب والحكومة رعب كورونا.
«عفواً أبي.. عفواً أمي، لن أغادر الصين في الوقت الحالي»، قررت ذلك لسببين أساسيين، أولاً إيماناً بأنه لن يصيبنا إلا ما قدر الله لنا، وثانياً ثقة بالصين، حكومة وشعباً، على الانتصار على فيروس كورونا اللعين، وتحتهما أسباب أخرى، منها: لم يحدث بعد ما يثير القلق، لم يحدث بعد ما يدفعني إلى العودة.
كأجنبي ومغترب قد تشعر بأن الوقت غير ملائم للبقاء، وأن الأفضل أن تنفذ بجلدك، لكن بالإضافة إلى الأمان (على الأقل شعوراً) هي قضية أخلاقية قبل أن تكون صحية، في وقت الحرب أفضل قرار هو المواجهة والتآزر والتموقع على الجبهة، لا الانسحاب.
في بكين، حيث أعمل وأقيم، لم يصل انتشار كورونا للحالة التي عليها في ووهان. نعم، الحياة ليست كالمعتاد، الشوارع تبدو شبه خالية، ومعظم المراكز التجارية مغلقة والأماكن الترفيهية موصده، لكن لا يمكن القول إنها مدينة أشباح، كما لم تكن ووهان مدينة أشباح، فالوصف الذي استخدم كثيراً في وسائل الإعلام المختلفة لم يكن دقيقاً، لأنه يحمل معنى الاستسلام لأمة لم تعرفه قط على مدار تاريخها، الصين لم تنهزم أمام «سارس»، ولن تنهزم أمام المستجد كورونا أيضاً.
في الحقيقة هذا ليس اعتقاداً فحسب، لكنه ثقة بالجميع هنا من أكبر مسؤول لأصغر عامل. حالياً يمارس الموجودون هنا حياتهم فقط بشكل مختلف، لا أكثر ولا أقل، الوضع الجديد فرض عليهم ذلك لفترة ما.
وبحكم وجودي بينهم منذ 10 سنوات، يعرف الصينيون كيف يتمركزون في المكان والزمن الصحيحين لمجابهة الوباء. كل فرد يقوم بدوره، لكن بشكل منظم ومسؤول، ليس خوفاً من كورونا، الذي أخذ 425 روحاً في سكته، وأصاب أكثر من 20 ألفاً حتى هذه السطور، لكنه الإحساس بالمسؤولية، مسؤولية كل شخص تجاه نفسه والآخر، أمة ووطناً ومجتمعاً وكوكباً.
ونتيجة لذلك، لا تذهبوا بعيداً، ألقوا نظرة على الرقم المسجل بشأن انتشار الفيروس في الخارج. رقم لا يذكر، مقارنة بأرقام الداخل.
قبل أسبوع من الآن، أصدرت حكومة بكين نشرة صحية للمغتربين، وطالبت المؤسسات والشركات الموظفين بأن يعملوا من بيوتهم، الالتزام بالمنزل جزء مهم جداً من خطة الانتصار في المعركة، إنه ليس هروباً بل أمان للجميع، حرب على الجبهة، ومساعدة للحكومة أيضاً.
تنتشر الفرق الطبية في الخطوط الأمامية، وتؤمّن الفرق الحكومية الإمدادات، هكذا هي الحال، لا يخرج الناس هنا إلا لشراء المستلزمات الضرورية، المواد الغذائية متوافرة، المواد الطبية الوقائية والأدوية متاحة طوال الوقت.
هناك فرق طبية تقف على أبواب المجمعات السكنية تقيس درجة حرارة القاطنين، وأخرى شعبية من المتطوعين تفحص هوية الغرباء وتقدم التوصيات، هناك فرق تطوف على الشقق وتقدم تعليمات وتعطي أرقام الطوارئ، في حال شعر أحد بشيء غير عادي، وأخرى تؤكد الالتزام بإجراءات الوقاية من المرض، وارتداء الأقنعة، وغسل اليدين بعد العودة، وشرب الماء بانتظام، وغيرها.
التكنولوجيا تناضل أيضاً
ما يحدث على التطبيقات وبالتكنولوجيا شيء آخر، إلى جانب الجيل الخامس على الجبهة، طائرات بدون طيار مزودة بكاميرات تستخدمها الشرطة في الشوارع، لتنبيه الناس الذين نسوا ارتداء الكمامات، أو مطالبة كبار السن بالتوقف عن لعب الدومينو أو الورق في الشوارع والعودة إلى المنازل. هذه الطائرات تنقل الصور عن حالة الشوارع إلى غرف مراقبة، وبناء عليها يصدر رجال الشرطة من أماكنهم المغلقة التعليمات.
وعلى تطبيق «ويتشات» ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، تجري المدارس والجامعات مسوحاً على الطلاب مرتين يومياً، تنقل لهم التوجيهات والتعليمات، وتسأل عما إذا كانت هناك تطورات أو خطط للسفر، أو إذا ما كان أفراد من الأسرة أو الأصدقاء حتى أصيبوا.
الذي يعيش في الصين يلحظ تماماً حالة من الذعر والمبالغة يعيشها العالم الخارجي بشأن الفيروس. هناك أصوات تبالغ، خبراء وأطباء وأناس لا يفقهون يطلّون على الشاشات والمواقع، ودول أوقفت الرحلات وأخرى أغلقت الحدود.
من المؤكد أن هذا مفهوم كإجراءات وقائية، وحكومة الصين تتفهم ذلك، لكن هناك من تجاوز إعلان منظمة الصحة العالمية وفرض إجراءات غير مفهومة، بدوافع أيضاً غير مفهومة.
هناك بلدان فرضت حظراً على دخول جميع الصينيين إلى أراضيها، وأخرى منعت الأجانب الذين سافروا إلى الصين خلال الـ14 يوماً الماضية، في قرارات غير إنسانية. إن انتقاد تعاطي الصين مع الفيروس أمر مقبول داخل الصين وخارجها، والواقع على الأرض يقول إن استجابة الصين للوباء قوية بما يكفي.
استجابة قوية وموقف منظم
نظرة إلى الوراء، الصين اتخذت بعض التدابير التي لا تصدق ونفذتها بسرعة. عزلت ملايين في مدن ومناطق، وأنشأت مستشفيين سعة 2300 سرير بوقت قياسي في ووهان، أحدهما في ستة أيام لمواجهة الحالات المتزايدة، وتخطط للمزيد، المجتمع بأسره يتعاون، إمدادات وتبرعات لا تتوقف، وجهد شاق مستمر.
يمكنك أن ترى العديد من المسؤولين غير الأنانيين، وأفراد الجمهور المكرسين لمحاربة كورونا الجديد، رئيس مجلس الدولة، لي كه تشيانغ، يتقدم الصفوف بنفسه في ووهان، بتوجيه من الرئيس، شي جين بينغ، بينما يوجد أيضاً عدد قليل من المسؤولين المقصرين وغير الأكفاء. وقامت الحكومات المحلية على الفور بإقالتهم، هذه هي الحال الآن.
وللاعتراف، لايزال الوضع الوبائي الحالي في مرحلة التطور والتغير، ويتوقع أن يؤدي التدفق الكبير للأشخاص بعد عطلة عيد الربيع، إلى ممارسة ضغط هائل على الوقاية من الوباء ومكافحته، لكن الحكومات هنا اتخذت ترتيبات متطورة واعتمدت تدابير فعالة.
موقف الصين كبير ومنظم حتى الآن ضد الوباء. وبفضل تلك الجهود توفي شخص واحد فقط بسبب الفيروس خارج الصين. ومن المنطقي أن تحظى جهودها وتضحيات شعبها باحترام، أليس ما تواجهه الصين من انتقادات مستغرباً، مقارنة بالوضع الذي واجهته غيرها، كالولايات المتحدة في عام 2009 عندما تفشى فيروس «إنفلونزا إتش1 إن1» (الخنازير) في الولايات المتحدة وضرب العالم، وتسبب في وفاة نحو 284 ألف شخص.
مع ذلك، لم تواجه الولايات المتحدة مثلما واجهت الصين من انتقادات وإساءات، لم يتعرض شعبها للسخرية ولم تُلام ثقافة طهيها، رغم أنها لم تتخذ مثل التدابير الصينية التي بفضلها لم يصب أكثر من 150 شخصاً خارج البر الرئيس الصيني حتى الآن.
التعاون لا إيذاء المشاعر
والمثير للاستياء هنا الشعور بأن المرض نفسه استُغل من جانب البعض لإيذاء المشاعر والتمييز عنصرياً في هذا الوقت الصعب، ما سبّب جرحاً غائراً لدى الأصدقاء الصينيين.
- إعلامياً، في الأيام الأخيرة، طالع الجميع هنا بأسى ما كتبته مجلة «دير شبيغل» الألمانية أن «الفيروس صنع في الصين»، وما طالبت به «ديلي تلغراف» اللندنية «ببقاء الأطفال الصينيين في منازلهم» مع اقتراب الفصل الدراسي الثاني، وما نشرته صحيفة دنماركية لعلم الصين ممزوجاً بفيروس كورونا.
ورسمياً، وصل إلى مسامع الكثيرين تصريحات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بالهجوم على الحزب الشيوعي الصيني بأنه «أكبر تهديد للعالم»، وما قاله وزير التجارة في حكومته، ويلبور روس، إن «الفيروس سيعزز الوظائف في الولايات المتحدة».
بل تطرف البعض قولاً بأنه «انتقام إلهي»، وطالب آخرون جهلاً المجتمع الصيني بالامتناع عن أكل «الخفافيش والثعابين» وغيرها، كما لو أنها أطباق رئيسة على مائدة عموم الصينيين، وغيرها من الأمور المؤذية للمشاعر.
هل فكر هؤلاء في مدى تأثير ذلك في نفوس الصينيين الذين يدفعون الثمن؟ ليس معنى أن الحكومة لم تلتفت إلى ذلك أن الشعب الصيني راضٍ وسعيد بذلك.
إن الوباء سيمرّ عاجلاً أو آجلاً، وستبقى هذه الإساءات شاهدة على سوء تصرف أصحابها، فكثيراً ما واجهت الصين إساءات خلال «سارس» قبل 17 عاماً، لكن ماذا حدث بعد؟ لا ينبغي لأحد أن يقلل من قدرة الصين على مواجهة تلك الأزمة.
ورغم أنها دولة شاسعة بها عدد كبير من السكان، ومن الصعب للغاية ضمان قيام كل فرد بواجبه على نحو جيد، إلا أن الشعب الصيني على قلب رجل واحد وعقل واحد. لا الحكومة ستترك الوباء يلتهم الشعب، ولا الشعب سيترك الوباء يأكل الحكومة.
الصعوبات موجودة والثقة أيضاً، وبالتأكيد سيختبر الفيروس مسؤولية ومهارات المسؤولين الحكوميين، وكذلك معدن الأصدقاء الحقيقيين، وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريوس، بوضوح: «هذا وقت الحقائق وليس الذعر، وقت العلم وليس الشائعات، وقت التضامن وليس الوصم».
- الصين تحرص على احتواء الخطر في أراضيها، وانتشار الفيروس في الخارج لا يقارن داخلياً.
- إعلامياً، في الأيام الأخيرة، طالع الجميع هنا بأسى ما كتبته مجلة «دير شبيغل» الألمانية أن «الفيروس صنع في الصين»، وما طالبت به «ديلي تلغراف» اللندنية «ببقاء الأطفال الصينيين في منازلهم» مع اقتراب الفصل الدراسي الثاني، وما نشرته صحيفة دنماركية لعلم الصين ممزوجاً بفيروس كورونا.
- فرق طبية تقف على أبواب المجمعات السكنية تقيس درجة حرارة القاطنين، وأخرى شعبية من المتطوعين، تفحص هوية الغرباء وتقدم التوصيات. هناك فرق تطوف على الشقق وتقدم تعليمات وتعطي أرقام الطوارئ، في حال شعر أحد بشيء غير عادي، وأخرى تؤكد الالتزام بإجراءات الوقاية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news