قلق ومخاوف بعد اعتداءات طالت وسائل إعلام عراقية

بغداد تقرُّ بـ«استخدام مفرط للقوة» ضد المتظاهرين.. و«الحشـد» يهـدِّد بالعنف

قوات الأمن العراقية تطارد متظاهرين خلال احتجاجات أول من أمس. أ.ب

أقرت القيادة العسكرية العراقية، أمس، بـ«استخدام مفرط للقوة»، خلال مواجهات مع محتجين في مدينة الصدر، بشرق بغداد، أسفرت عن مقتل 13 شخصاً على الأقل، الليلة قبل الماضية، بحسب مصادر أمنية وطبية، فيما هدد «الحشد الشعبي» بمنع الاحتجاجات بالعنف، فيما أثارت سلسلة هجمات وتهديدات طالت وسائل إعلام عدة في العراق، قلق الأمم المتحدة وصحافيين وناشطين، يطالبون الحكومة بمنع «إسكات» الإعلام الذي يقوم بتغطية الاحتجاجات.

وتفصيلاً، أشارت خلية الإعلام الأمني العراقي، في بيان، إلى أن رئيس الوزراء، عادل عبدالمهدي، وجه بـ«سحب كل قطعات الجيش من مدينة الصدر، واستبدالها بقطعات الشرطة الاتحادية، وذلك نتيجة الأحداث التي شهدتها مدينة الصدر ليلة أمس، وحصل استخدام مفرط للقوة وخارج قواعد الاشتباك المحددة».

وأكد بدء إجراءات محاسبة العناصر، الذين «ارتكبوا هذه الأفعال الخاطئة».

وجاء الإعلان بعد ساعات من بيان لمكتب رئيس الوزراء، أعلن فيه أن عبدالمهدي بحث - في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو - الاحتجاجات التي عمت البلاد.

وقال البيان: «استعرض رئيس مجلس الوزراء تطورات الأوضاع الأمنية، وعودة الحياة إلى طبيعتها بعد رفع حظر التجوال، وأكد سيطرة القوات الأمنية وإعادة الاستقرار».

وأضاف أن الحكومة طرحت حزمة من الإصلاحات والإجراءات، وستستمر في تقديم المزيد لتلبية مطالب المواطنين.

من جانبه، أعلن رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، أمس، أن فصائله «جاهزة للتدخل لمنع أي انقلاب أو تمرد في العراق، في حال طلبت الحكومة ذلك».

ويعتبر الفياض الاحتجاجات الشعبية، التي يطالب فيها المحتجون بمحاربة الفساد وتحسين اقتصاد البلاد، وغيرهما من المطالب المشروعة، «مخططاً فاشلاً لإسقاط النظام».

وقال: «هناك من أراد التآمر على استقرار العراق ووحدته، نعرف من يقف وراء التظاهرات، ومخطط إسقاط النظام فشل»، مشدداً على أنه سيكون هناك «قصاص لمن أراد السوء بالعراق».

وشهدت التظاهرات، التي امتدت في مدن عراقية عدة، رفع لافتات وشعارات تطالب بإنهاء الهيمنة الإيرانية على العراق.

وسقط، الليلة قبل الماضية، المزيد من القتلى مع تجدد الاشتباكات بين قوات الأمن العراقية ومحتجين، وقبل الاشتباكات الأحدث في مدينة الصدر بالعاصمة بغداد، أمس، قال متحدث باسم وزارة الداخلية إن عدد القتلى بلغ 104 أشخاص، منهم ثمانية من قوات الأمن، خلال الاضطرابات التي تشهدها البلاد منذ الثلاثاء الماضي.

وأضاف المتحدث أن عدد المصابين بلغ 6107 أشخاص، وأن ما يزيد على 1000 منهم هم من قوات الشرطة والأمن، وقال إن المحتجين أضرموا النار في عشرات المباني، لكنه نفى وقتها أن قوات الأمن أطلقت النار مباشرة على المحتجين.

وفي أماكن أخرى من بغداد، استؤنفت الحياة تدريجياً، لكن التوتر لم يهدأ في الوقت الذي تضاعف فيه السلطات إعلاناتها عن تدابير اجتماعية، في محاولة لتهدئة غضب المتظاهرين الذين يقولون إنه «ليس لديهم ما يخسرونه» في بلد غني بالنفط، حيث يعيش أكثر من شخص من بين كل خمسة تحت خط الفقر.

وعززت عمليات الاقتحام، التي وقعت نهاية الأسبوع، المخاوف حيال حرية التعبير التي طالها أولاً إقدام السلطات على حجب الإنترنت تماماً، بعد انطلاق حركة احتجاجية مناهضة للحكومة في العاصمة بغداد ومدن جنوبية عدة.

وتعرضت، السبت الماضي، قنوات «إن آر تي»، الناطقة بالعربية، ومقرها الرئيس في إقليم كردستان العراق، وقناة العربية المملوكة للسعودية، وقناة دجلة المحلية، لعمليات اقتحام من قبل مجهولين، بحسب ما أعلنت كل منها في بيان.

وأشارت قناة «إن آر تي» إلى أن مسلحين أقدموا على تحطيم المعدات، ما دفع بها إلى إيقاف البث مؤقتاً، واستحوذوا على هواتف الموظفين.

من جهتها، نشرت قناة «العربية» تصويراً لكاميرا مراقبة، يظهر نحو 12 رجلاً يرتدون زياً عسكرياً وخوذات، يقتحمون مكتبها في بغداد ويخلعون الشاشات عن الجدران، إضافة إلى عمليات تخريب.

ولفتت «العربية» إلى أنها تلقت «ضمانات» من مكتب رئيس الوزراء، عادل عبدالمهدي، بالتحقيق في الحادث.

وفي هذا الإطار، قالت الممثلة الأممية في العراق، هينيس - بلاسخارت، إنها «صدمت من التخريب والترهيب، اللذين قام بهما مسلحون ملثمون».

وأضافت: «المطلوب جهود حكومية، لحماية الصحافيين، الإعلام الحر أفضل ضمانة للديمقراطية القوية».

وصرح مصدر أمني بأن قناة محلية أخرى «النهرين»، قد تمت مداهمة مقرها وتدمير معداتها، إضافة إلى تلقي قناتي «هنا بغداد» و«الرشيد» تهديدات.

وقال صحافي في قناة «الرشيد»، التي غطت التظاهرات عن كثب، واتهمت القوات الأمنية باستخدام العنف بشكل عشوائي: «تلقينا تهديدات مباشرة، بشأن تغطيتنا للاحتجاجات».

وأضاف الصحافي، الذي طلب عدم كشف هويته: «لقد أخبرونا، إما أن تغيروا خط التحرير الخاص بكم، أو سيكون مصيركم مماثلاً، لـ(إن آر تي) والبقية، لذلك فضلنا الحد من تغطيتنا».

وعلى مدار الأسبوع الماضي، أبلغ المدونون والناشطون في مناطق جنوب البلاد، أيضاً، عن تلقي رسائل نصية ومكالمات هاتفية تهددهم وأسرهم.

ويحتل العراق المرتبة 156 بين 180 دولة على لائحة «مراسلون بلا حدود»، لمؤشر حرية الصحافة في العالم لعام 2019.

وانتقدت «مراسلون بلا حدود» القيود التي تفرضها قوات الأمن على الصحافيين، باعتبارها «تقييداً غير متناسب وغير مبرر للحق في الإعلام».

وقالت رئيسة مكتب الشرق الأوسط للمنظمة، صابرينا بنوي: «بدلاً من حظر جميع الأنشطة الصحافية، يقع على عاتق القوات الأمنية والسلطات المحلية واجب ضمان سلامة الصحافيين، حتى يتمكنوا من إنجاز تقاريرهم».

من جهته، اعتبر رئيس مرصد الحريات الصحافية، زياد العجيلي، أن هذه هي المرة الأولى التي «نشهد فيها محاولات مماثلة لترهيب» وسائل الإعلام. وحذر من أن هناك «تخوفاً من اعتداءات أخرى».

تويتر