اتساع رقعة التظاهرات لتشمل مدناً جديدة في ظل إجراءات أمنية مشددة

بغداد تدعو إلى ضبط النفس.. والرصاص الحي يُطلق مجدداً لتفريق المتظاهريـــــن

متظاهرون عراقيون بساحة التحرير في قلب بغداد خلال احتجاجات ضد الحكومة. إي.بي.إيه

أطلقت القوات الأمنية مجدداً، أمس، الرصاص الحي في الهواء لتفريق محتجين، وفي وقت دعا الرئيس العراقي برهم صالح، إلى ضبط النفس غداة مقتل سبعة متظاهرين وشرطي في أعمال عنف حمّلت الحكومة مسؤوليتها إلى «مندسين»، اتسعت رقعة التظاهرات لتشمل مدناً جديدة في ظل إجراءات أمنية مشددة.

وفي مواجهة أول امتحان شعبي لها منذ تشكيلها قبل عام تقريباً، اتهمت الحكومة العراقية «معتدين» و«مندسين» بالتسبب «عمداً في سقوط ضحايا بين المتظاهرين».

واستخدمت، أمس، قوات مكافحة الشغب مجدداً الرصاص الحي لتفريق مئات المتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بمحاسبة الفاسدين ومكافحة البطالة، وصولاً إلى رفض تنحية قائد عسكري شعبي.

وفي حي الزعفرانية بجنوب بغداد، حيث أقدم المتظاهرون على حرق إطارات، سمع مراسل وكالة «فرانس برس» أزيز الرصاص على غرار أول من أمس في وسط بغداد، في محيط ساحة التحرير التي انطلقت منها التظاهرة.

ووفقاً لمصادر طبية، نقل نحو 10 أشخاص إلى مستشفيات بغداد، مشيرة إلى أنهم كانوا يعانون الاختناق نتيجة استنشاق الغاز المسيل للدموع أو أصيبوا خلال عمليات التدافع.

لكن يبدو أن المتظاهرين عازمون على الاستمرار في تحركهم. ففي الزعفرانية، قال عبدالله وليد (27 عاماً) لـ«فرانس برس» إنه خرج للتظاهر أمس «لدعم إخواننا في ساحة التحرير» التي ضربت القوات الأمنية طوقاً أمنياً حولها.

وأضاف في شارع تتمركز فيه مدرعات قوات مكافحة الشغب «نطالب بفرص عمل وتعيين الخريجين وتحسين الخدمات، مضت علينا سنوات نطالب، ولا جواب من الحكومة».

أما في حي الشعب، ووسط سحب الدخان الناتجة عن حرق الإطارات، قال محمد الجبوري، الذي يعمل كاسباً رغم أنه يحمل شهادة في الهندسة «نطالب بكل شيء، نطالب بوطن، نشعر بأننا غرباء في بلدنا، لا دولة تتعدى على شعبها كما فعلت هذه الحكومة، نحن نتعامل بسلمية ولكنهم أطلقوا النار».

وتشهد شوارع بغداد اختناقات مرورية على خلفية قيام المتظاهرين بإغلاق الشوارع وإحراق الإطارات في الشوارع، فيما قيدت الأجهزة الأمنية الحركة في عدد من الجسور، أبرزها جسر الجمهورية المؤدي إلى مباني الحكومة والبرلمان.

وكان مسؤول عراقي بمطار بغداد الدولي قال إن «متظاهرين احتجوا على التدخل الإيراني في العراق، وقطعوا الطريق المؤدي إلى المطار».

وأضاف المسؤول أن «قوات الأمن تحاول تفريق المتظاهرين».

وكانت مصادر أمنية وشهود عيان أفادوا في وقت سابق بأن رقعة التظاهرات الاحتجاجية اتسعت بعد ظهر أمس لتشمل مدناً ومحافظات أخرى في ظل إجراءات أمنية مشددة.

وقالت المصادر إن رقعة التظاهرات اتسعت في بغداد لتشمل أحياء الأعظمية وشارع القناة وجسر ديالى وساحة الخلاني والنعيرية والزعفرانية وساحة التحرير والطيران وقطع طريق مطار بغداد الدولي من جهة حي البياع.

وذكرت المصادر أن التظاهرات انطلقت بعد ظهر أمس في محافظات الناصرية والنجف والسماوة وديالى وواسط والحلة في ظل انتشار غير مسبوق للقوات العراقية، حيث رافق هذه التظاهرات إحراق الإطارات وتصاعد سحب سوداء في سماء هذه المناطق والمدن.

وفي البصرة، اعتقلت قوات الأمن العراقية، أمس، عشرات الأشخاص الذين تظاهروا طلباً لتغيير النظام.

وشنت القوات الأمنية العراقية حملة اعتقالات واسعة بين صفوف المتظاهرين المجتمعين في منطقة العشار وسط المدينة.

وأسفرت الحملة عن اعتقال العشرات منهم، لافتاً إلى أن الحكومة حجبت كل مواقع التواصل الاجتماعي وقطعت الإنترنت في عموم أنحاء المدينة.

وخرج الآلاف من سكان البصرة، أول من أمس، في تظاهرات واسعة طالبوا خلالها بالإصلاحات وتغيير النظام في العراق وتوفير الخدمات الرئيسة لمواطنيه.

وأعلنت الحكومة العراقية أن رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة عادل عبدالمهدي، عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الوطني لمناقشة تداعيات الاحتجاجات الشعبية. وكان نائب رئيس البرلمان العراقي حسن الكعبي دعا أمس عبدالمهدي إلى فتح تحقيق في الاحتجاجات الشعبية، والاستماع إلى المطالب المشروعة للمحتجين.

وقال الكعبي، في بيان صحافي، إن «السلطة التشريعية تدعم حق التظاهر السلمي في بغداد والمحافظات طالما كانت وفق الدستور والقانون، وعلى رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي فتح تحقيق عاجل وعادل لأحداث أمس، والاستماع الى المطالب المشروعة لإخوتنا المتظاهرين والاستجابة لها».

وأوضح أن هيئة رئاسة مجلس النواب سبق أن وجهت لجنتي الأمن والدفاع وحقوق الإنسان النيابيتين بفتح تحقيق نيابي بالأحداث التي جرت أول من أمس، لافتاً إلى أن اللجنتين باشرتا أمس الإجراءات كافة بما يحفظ حقوق ومطالب جميع أبناء الشعب.

وعبر نائب رئيس البرلمان عن «أسفه الشديد لوقوع خسائر في الأرواح والإصابات بين المدنيين العزل والقوات الأمنية، رغم التأكيدات المستمرة بوجوب عدم استخدام العنف والرصاص الحي والحفاظ على سلمية التظاهرات والممتلكات العامة والخاصة».

ويعاني العراق، الذي أنهكته الحروب، انقطاعاً مزمناً للتيار الكهربائي ومياه الشرب منذ سنوات، ويحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية.

وبحسب تقارير رسمية، فمنذ سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين في العام 2003، اختفى نحو 450 مليار دولار من الأموال العامة، أي أربعة أضعاف ميزانية الدولة، وأكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للعراق.

وعنونت صحيفة «البيّنة الجديدة» العراقية أن هذا الحراك لم يشهد «لأول مرة.. لا رايات ولا صور ولا شعارات حزبية».

وفرقت قوات الأمن التظاهرات في بغداد ومدن عدة من جنوب البلاد بالقوة، أولاً بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. بعيد ذلك، في العاصمة خصوصاً، استخدمت قوات الأمن الرصاص الحي الذي أطلقته في الهواء لساعات في ساحة التحرير.

وأسفر ذلك عن مقتل سبعة أشخاص، بينهم شرطي، وإصابة أكثر من 200 بجروح، بحسب تقارير طبية ووزارة الصحة.

وبينما كانت عائلة أحد المتظاهرين الذي قتلوا في بغداد تواريه الثرى في منطقة مدينة الصدر الشعبية، ندد المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء سعد معن بـ«المندسين» الذين يسعون إلى «نشر العنف».

وبعد ذلك، علق الرئيس العراقي برهم صالح على «تويتر» بالقول إن «التظاهر السلمي حق دستوري. أبناؤنا في القوات الأمنية مكلفون بحماية حقوق المواطنين».

وأضاف «أبناؤنا شباب العراق يتطلعون إلى الإصلاح وفرص العمل، واجبنا تلبية هذه الاستحقاقات المشروعة».

وفي سياق متصل، أعلنت رئاسة مجلس النواب العراقي توجه لجنتين نيابيتين إلى فتح تحقيق في الأحداث التي رافقت التظاهرات، فيما أبدت لجنة حقوق الإنسان النيابية اعتراضها على «ردة الفعل الخاطئة وأسلوب قمع التظاهرات السلمية»، مؤكدة على ضرورة أن «يتحمل الجميع مسؤوليته».

من جهته، دعا رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، إلى التحقيق في الموضوع، على غرار رجل الدين مقتدى الصدر، الذي يرفع راية مكافحة الفساد.

أما عبدالمهدي، فقد أصدر بياناً قال فيه «نحيي أبناء قواتنا المسلحة الأبطال الذين أظهروا قدراً عالياً من المسؤولية وضبط النفس» في وجه «المعتدين غير السلميين وتسببوا عمداً بسقوط ضحايا بين المتظاهرين». وأثار هذا البيان تعليقات نارية على وسائل التواصل الاجتماعي صباح أمس، بينما كان السياسيون داعمين للمتظاهرين.

تويتر