بعد أن نصّب نفسه رئيساً بالوكالة في فنزويلا

خوان غوايدو تعوزه الخبرة السياسية.. ويعتمد على الزخم الشعبي

صورة

أعلن زعيم المعارضة الفنزويلية رئيس حزب الإرادة الشعبية، خوان غوايدو، نفسه رئيساً بالوكالة للبلاد، وهي الخطوة التي وجدت رد فعل غاضباً من الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، الذي لم يتخلَّ عن السلطة، متهماً المعارضة بتدبير انقلاب تدعمه الولايات المتحدة للإطاحة بالحكومة الشرعية. وسرعان ما باركت العديد من الدول الأوروبية ودول أميركا اللاتينية، وكذلك كندا والولايات المتحدة هذه الخطوة التي اتخذها غوايدو. قبل شهرين فقط، قد لا يعرف العديد من الناس حول العالم، وحتى داخل فنزويلا نفسها اسم هذا القيادي الشاب. فمن هو غوايدو؟

نشأة متواضعة

شاب طويل القامة، نحيل الجسم، معروف بحبه لفريق بيسبول مسقط رأسه «قروش لاغويرا»، يتقن رقصة السالسا، متواضع المنشأ، واحد من بين سبعة إخوان نشأوا في مدينة «لاغويرا» الساحلية الصغيرة بالقرب من كراكاس، والده طيار تجاري سابق ويعمل حالياً سائق سيارة أجرة في إسبانيا، ووالدته معلمة، ويمتلك أصولاً متواضعة، وهو على خلاف مع العديد من حلفائه المعارضين، الذين ينتقدهم بسبب دمائهم الزرقاء.

في عام 1999، نجت عائلته من الانهيارات الطينية التي دمرت الكثير من «فارجاس» وقتلت الآلاف. درس الهندسة الصناعية في جامعة كاتوليكا أندريس بيلو في كاراكاس، وواصل دراسته ليحصل أيضاً على درجتين في الإدارة العامة، منها واحدة من جامعة جورج واشنطن. زوجته فابيانا روساليس، كانت زميلته في الجامعة، وهي أم لابنتهما الوحيدة، ميراندا، التي سميّاها على اسم أحد أبطال تحرير أميركا الجنوبية، وشهدت ولادتها في 2017 موجة من الاحتجاجات ضد الحكومة، أصيب خلالها والدها في الرقبة بفعل رصاصة مطاطية، وكسرت يده في المصادمات مع الشرطة.

صعود سهل

يعود الفضل في الصعود الفلكي لهذا المهندس المعماري المغمور الى زعيم المعارضة الأكثر شعبية في فنزويلا، ليوبولدو لوبيز، وهو سياسي معروف في فنزويلا، مؤسس حزب إرادة الشعب، الذي ينتمي اليه غوايدو، ويخضع حالياً للإقامة الجبرية، وهو معلم غوايدو، ويعتبره معارضو الحكومة أسيراً سياسياً. ففي الوقت الذي فقد فيه الكثيرون الثقة بالجمعية الوطنية، التي تم تجريدها من آخر سلطة لها بعد أن أنشأت الحكومة الجمعية الدستورية المنافسة لها في عام 2017، ناور لوبيز خلف الكواليس من أجل أن يتولى حزب «الإرادة الشعبية» رئاسة هذه السلطة التشريعية المتآكلة. واستطاع تجنيد غوايدو، الذي حصل على عضوية الجمعية، والذي ارتقى لمصاف القيادة في هذا الحزب، بعد أن نفت الحكومة ثمانية سياسيين كبار في الحزب كانوا يشغلون مناصب قيادية في المجلس الوطني للحزب منذ عام 2014. وظل غوايدو أحد الموالين المخلصين للوبيز لسنوات عدة، ووقف بجانبه في مؤتمر صحافي عام 2014 عندما أعلن هذا الناشط استراتيجية لمناهضة مادورو أطلق عليها اسم «الخروج»، إلا أن هذه الاستراتيجية قسّمت المعارضة بشدة، لأنها جاءت بعد أقل من عام من رئاسة مادورو، الذي كان يتمتع حكمه بدعم قوي من غالبية الشعب. وتقول مصادر سرية إن الرجلين يتحدثان في الوقت الراهن عشرات المرات يومياً، وإن غوايدو لا يجري أي حديث أو يقوم بأي تحرك من دون علم من لوبيز.

إرادة الشعب

حزب «الإرادة الشعبية» هو حزب ديمقراطي اجتماعي وسطي، يحوز في الوقت الراهن 14 مقعداً فقط من مقاعد الجمعية الوطنية البالغ عددها 167 مقعداً، لكنه يشكل جزءاً من ائتلاف الطاولة المستديرة الديمقراطي، الذي يتمتع بأغلبية كبيرة في الجمعية. ووفقاً للموقع الإلكتروني للحزب، فإن تاريخ تشكيله يعود إلى عام 2004. ويأتي تشكيله، كما يؤكد الموقع، من أجل «تعزيز العمل الاجتماعي والقيادة الاجتماعية»، وقد تم الاعتراف به رسمياً كحزب في عام 2011. وينص بيانه على أنه يسعى إلى «جمع الفنزويليين للعمل من أجل السلام والحرية والديمقراطية» و«بناء بلد أكثر أمناً ووحدة وازدهاراً، حيث يستطيع كل شخص التمتع بجميع الحقوق». شارك في تأسيس الحزب ويترأسه حالياً.

شخصية ناشطة سياسياً

شغل هذا المهندس، البالغ من العمر 35 عاماً، مقعداً في الكونغرس الفنزويلي، وتم انتخابه في ما بعد عضواً في الجمعية الوطنية عام 2015. وظل خلال حياته الطلابية شخصية ناشطة، حيث نظم تظاهرات ضد الرئيس السابق، هوغو تشافيز، كجزء من حركة يقودها الطلاب، وشارك في احتجاجات 2017 في جميع أنحاء فنزويلا، بعد أن اعتقلت الحكومة العديد من قادة المعارضة. وأصبح زعيماً للمعارضة في الهيئة التشريعية العام الماضي، وأدى اليمين رئيساً للجمعية الوطنية، في الشهر الماضي، وهو ما يعادل إلى حد ما منصب رئيس مجلس النواب، ويجيء انتخابه رئيساً للجمعية قبل أسبوع واحد فقط من أداء الرئيس، نيكولاس مادورو، اليمين الدستورية رئيساً مرة أخرى.

خبرة ضئيلة

ويقول المنتقدون إن غوايدو يفتقر إلى رؤية سياسية، مشيرين إلى خطابه الأول الذي ألقاه كرئيس للمجلس التشريعي، الذي كان مملوءاً بالعبارات البلاغية اللاذعة الموجهة إلى مادورو «المغتصب»، إلا أنه ليس لديه خطة حول كيفية الخروج من هذا المأزق. ومع ذلك، يرى آخرون أن شبابه وقلة خبرته النسبية هي المحرك الذي ينفث الحياة في المعارضة المضطربة. أثناء وجوده في الكونغرس، اكتسب غوايدو سمعة طيبة باعتباره عضواً نشطاً عندما كان يعمل رئيساً للجنة المراقبة التي تحقق في مزاعم الفساد الحكومي. إن المخاطر الشخصية التي يواجهها كبيرة، واعتقاله سيكون مؤكداً إذا ما بقي مادورو متمسكاً بالسلطة من خلال حملة قمع دموية أخرى من النوع الذي شهدته البلاد في أبريل 2017. عندما أعلن نفسه رئيساً بالوكالة استخف به مادورو، وسخر منه قائلاً إنه لا يدري هل اسمه بالفعل غوايدو أم هو «غويري»، وهو نهر ملوث كريه الرائحة في كاراكاس.

هدوء واطمئنان

وفي الوقت الذي يحاول فيه غوايدو حشد الدعم المحلي والدولي، يظل يعبر شوارع كاراكاس جيئة وذهاباً مع الحد الأدنى من الأمن، وفي بعض الأحيان يتسلل من خلال حركة المرور على ظهر دراجة نارية. وخلال كل ذلك يتلقى المحادثات من زعماء العالم، بالإضافة إلى الدبلوماسيين والسياسيين الفنزويليين، على هاتف خليوي يتدفق فيه سيل من الرسائل النصية، وتجاهد بطاريته كي تظل على قيد الحياة. وفي كل هذه الظروف لا يبدو على غوايدو أي علامة على الشعور بالقلق، ويلتزم الهدوء والصمت في الوقت الذي يحوم حوله فريق من المتطوعين لمساعدته، ويبدو أن الشيء الوحيد الذي يعانيه غوايدو هو صوته المبحوح من الحديث، وفي الليل، عندما يتوقف عن استقبال المكالمات والزيارات، لا يجد أي مشكلة في الاستغراق في النوم. يقول في مقابلة «أنام بشكل هادئ»، مضيفاً أنه تعلم أن ينام بشكل سليم في ظل ظروف صعبة عندما نظم هو وغيره من قادة المعارضة إضراباً عن الطعام لمدة 15 يوماً في 2015، وكانوا ينامون في الشارع للضغط على الحكومة لتحديد موعد للانتخابات التشريعية، ويعتقد أن الاستغراق في النوم «ميزة» يتميز بها، لكن يبدو أن غوايدو يدرك أن الطريق الذي يمر به مملوء بالمخاطر.

والده يبارك خطوته

ويقول والده، ويلمز غوايدو، الذي يعيش في إسبانيا في حديثه لتلفزيون أنتينا 3 الخاص، إن القوات المسلحة الفنزويلية يجب أن تكون موالية للبلاد، ولكن ليس لقائد معين. ويضيف: «كان سيمون بوليفار يلعن الجنود الذين يديرون ظهرهم للشعب»، في إشارة الى بطل الاستقلال في فنزويلا. ويتابع «أعتقد أن على الجيش اختيار الوجه الصحيح من التاريخ»، ويقول الأب، إنه فخور لأن ابنه خطا خطوة إلى الأمام للاستيلاء على السلطة «من المغتصب».

• شاب طويل القامة، نحيل الجسم، معروف بحبّه لفريق بيسبول مسقط رأسه «قروش لاغويرا». يتقن رقصة السالسا، متواضع المنشأ.

• يعود الفضل في الصعود الفلكي لهذا المهندس المعماري المغمور إلى زعيم المعارضة الأكثر شعبية في فنزويلا، ليوبولدو لوبيز.

ما قاله عنه الآخرون

وصفت مجلة التايم خوان غوايدو بأنه شخصية جذابة، مشيدة بجهوده في «توحيد المعارضة المنقسمة». وهو معروف بـ«بالسعي لتوحيد زملائه المشرعين»، وفقاً لمقالة بلومبرغ. ويقول عضو مجلس العلاقات الأميركية الخارجية، مايكل شيفتر، إنه «حاول الوصول إلى الجيش، وحاول توحيد المعارضة، وحاول الوصول إلى الموالين لهوغو تشافيز كذلك». يصفه زميله السياسي، فريدي جيفارا، بأنه متواضع، مخلص، مقاتل، و«متفائل أبدي»، ويقول أحد زعماء حزب الإرادة الشعبية، وهو ديفيد سمولانسكي، إنه «شجاع بشكل لا يصدق (ليتحدى الرئيس نيكولاس مادورو)». وأجرت مجلة «فوكس» مقابلة مع خبير في السياسة الفنزويلية، زعم أن غوايدو «غير جذاب سياسياً»، وقارنه بالرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، قائلاً إنهما يتشابهان في مخاطبة الجماهير. وأشارت صحيفة الغارديان إلى أن غوايدو تبنى هتاف أوباما نفسه، مثل «نعم نستطيع». واستخدم هذا الشعار في حملاته منذ يوليو 2017. وتقول صحيفة ناشيونال ريفيو إنه «يتمتع بسحر وجاذبية كينيدي». ووصفه مقال في صحيفة نيشن بأنه «سياسي من الدرجة الثانية، وأعلن نفسه ببساطة رئيساً للبلاد» في انتزاع وقح للسلطة.

وأبدت صحيفة الغارديان مخاوفها من أن يكون غوايدو متحالفاً مع زعماء اليمين المتطرف. عن «الغارديان»

جدّة غوايدو توقعت بأنه سيكون رئيساً

تقول والدة غوايدو، نوركا ماركيز (54 عاماً)، إنها فوجئت، مثل أي شخص آخر، عندما أعلن ابنها فجأة نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد اعترفت به الولايات المتحدة، وسلسلة من الدول الأخرى في ما بعد. وتقول ماركيز، وهي مدرّسة: «حدث ذلك في وقت قصير جداً»، وتضيف «كنت أقف أنا وزوجته وجميع المشرعين بالقرب منه عندما فوجئنا بهذا الإعلان، لم أكن أتوقع أبداً ان أجد نفسي واقفة بالقرب من رئيس فنزويلا بالوكالة، وصرخت بقوة وبعدها شعرت بالخوف»، وتمضي قائلة: «لكنني أجده الآن رجلاً واثقاً من نفسه وقوياً، ونحن هنا جميعاً لمؤازرته».

وتروي ماركيز في حوار أجرته معها إحدى الصحف أنه عندما كان طفلاً كان جسمه مصاباً بالحساسية، وأن والدتها كانت تضع الدواء على جسمه وتقول ضاحكة له: «عندما تكون رئيساً في يوم من الأيام لن تدعني أضع الدواء على جسمك»، وتضيف أن العائلة صارت تتندر عليه بشأن ذلك في المنزل عندما أصبح رئيساً بالوكالة. وتقول إن ابنها يحب أن يقدم المساعدة للآخرين، وهذه احدى صفاته العظيمة، وإنه لم يفكر قط في مغادرة فنزويلا مثل كثير من الشباب. وتقول: «دائماً أقول إن جذورنا موجودة هنا في فنزويلا، ولدنا هنا، وخسرنا أملاكنا هنا، حيث فقدنا الكثير في كارثة فارجاس عندما قضت الانزلاقات الأرضية على آلاف الأشخاص في ديسمبر 1999».

وتصف ابنها بأنه قوي، وأنه هو الشخص الذي يحرك الجماهير، وإذا واجه موقفاً صعباً فإنه يروي بدلاً عن ذلك نكتة وينتهي الأمر بالضحك معه بدلاً من الحزن على ما حدث له. وفي سؤال عما إذا كانت العائلة لها تاريخ سياسي ردت: «نحن عائلة تنتمي للجيش، كان جده جندياً في الحرس الوطني، ووالدي بحاراً، وأحب خوان ذلك العالم، وأراد ان يصبح طياراً عسكرياً، لكن لم يستطع ذلك بسبب إصابته بالربو». وتضيف: «علمت ابني احترام الجيش والجنود، وهو اليوم يطلب منهم أن ينضموا الى الشعب لإعادة إعمار البلاد». عن «الغارديان»

تويتر