مصر 25 يناير تثور ضد تركة مبارك

متظاهرون بالتحرير تجمعوا حول علم مصر. إي.بي.إيه

إذا كانت الاحتجاجات التي اندلعت في فبراير الماضي ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك، فالثورة التي تشهدها مصر اليوم هي ضد التركة التي خلفها وراءه. ويقول محمد عثمان، الذي يساعد في تضميد الجراح بميدان التحرير «هذه هي الثورة الحقيقية». وتبدو النخب الحالية بما في ذلك بقايا نظام مبارك من العسكريين وجماعة الإخوان والليبراليين واليساريين المنقسمين، ليسوا جاهزين لتسيير المرحلة الانتقالية، الأمر الذي وجد له أصداء في ثورات الربيع العربي الأخرى، في سورية وليبيا واليمن والبحرين، ولأن استراتيجية القمع التي أثبتت فاعليتها على مدى عقود لم تعد ناجعة في الوقت الراهن، فإنه ليس من الواضح على الإطلاق إلى أين ستؤول إليه الأوضاع في مصر. لقد كانت السلطة تأمل في أن يصل المتظاهرون إلى مرحلة التعب والإرهاق ومن ثم يغادرون ميدان التحرير، إلا أن ذلك لم يحدث. كما أنها قدمت تنازلات محدودة، ولم تفلح في ذلك أيضاً. وأنحت باللائمة على أطراف أجنبية، وباءت كل جهودها بالفشل.

لم يظهر حتى الآن قيادي أو وعاء إيديولوجي يمكن أن يستوعب المتظاهرين في الوقت الذي تواصل جماعة الإخوان السعي لتحقيق أهدافها السياسية، لأنها تعتقد أنها ستبلي بلاء حسنا في الانتخابات المقبلة. وفي ذلك يقول المحلل السياسي في دار الحكمة بالقاهرة، إبراهيم االهضيبي «إننا نشهد اليوم فشل الطبقة السياسية»، موضحاً «الناس يشعرون بالخيانة». ومن الإنجازات التي حققها حكام عرب، بعضهم لايزال في السلطة، تجريد أو إلغاء المؤسسات التي يمكنها أن تقود المرحلة الانتقالية في غيابهم، في الوقت الذي لعبت فيه الأنظمة على الانقسامات الاجتماعية من أجل إطالة فترة حكمهم. وفي الحالة المصرية، اتضح أن العسكر الذي تعود على الامتيازات يرفض التنازل عن السلطة حتى الآن، وأن الطبقة السياسية لاتزال رهينة سنوات الاستبداد. فجماعة الإخوان تبدو انتهازية وفي حالة دفاعية وضعيفة الخيال. وتقدم جميع الأطراف مصالحها الشخصية على حساب المصلحة الوطنية، في حين لا تستطيع طرح رؤية يمكن من خلالها إيجاد حل لأسوأ أزمة تواجه مصر منذ الإطاحة بمبارك في الـ11 من فبراير الماضي. ويقول الموظف الحكومي مصطفى طبقي، (56 عاماً): «نحن مازلنا نتعامل مع نظام مبارك»، مضيفاً «جميعهم تخرجوا في مدرسة مبارك».

ويرى مدير الأبحاث في مركز الدوحة بروكينغز، شادي حامد الفجوة بين الجيش والمتظاهرين كبيرة جداً، ويوضح حامد الذي يزور القاهرة حالياً «هنا تكمن المشكلة. أقصى ما يمكن أن يقدمه العسكر لا يلبي أدنى المطالب عند المتظاهرين».

وبدا واضحاً أن المحتجين في ميدان التحرير لم يعيروا اهتماماً كبيراً بالانتخابات على الرغم من أنها ستجرى الاثنين المقبل، في حين تقع هذه الانتخابات الحاسمة في قمة هرم الأولويات بالنسبة للإخوان والحركات الإسلامية الأخرى، فقد يحرز هؤلاء سلطة شرعية هي الأقوى في تاريخ مصر. ويقول محللون إن الجماعة متخوفة من تكرار التجربة الجزائرية في ،1991 حيث ألغيت الانتخابات بعد فوز كاسح للإسلاميين. ما أدى إلى حرب أهلية حصدت عشرات الآلاف من الأرواح.

وقفت جماعة الاخوان حتى الآن بجانب العسكر، ولا يكاد يسجل لها حضور في الميدان، مؤكدة أن المصريين ليس جميعهم مع المحتجين.

وفي هذا السياق يقول الزميل في مؤسسة «سنتشري فاوندايشن» في نيويورك، مايكل وحيد حنا «مرة أخرى إنهم متأخرون أو غائبون تماماً».

ولا تتوقف مشكلة المحتجين عند الحاكم العسكري المشير محمد حسين طنطاوي، (76 عاماً)، والذي شغل منصب وزير الدفاع في عهد مبارك على مدى عقدين، إذ يرى المصريون أن أعضاء المجلس تقاعسوا في تسليم السلطة إلى حكومة مدنية في المهلة المحددة.

وارتفعت شعارات في الميدان تقول «أنقذوا مصر من الجيش واللصوص». و«تسليم السلطة للمدنيين هو مطلب جميع المصريين». أما المتظاهر عفيفي أحمد فيرى أن «الثورة التي حدثت في فبراير رغم أنها كانت جميلة إلا أننا وجدنا أنفسنا أمام انقلاب». ويعتقد أحمد أن بلاده بحاجة إلى تجديد كامل في النظام الحاكم. وعند سؤاله عما إذا كان قلقاً إزاء حالة الفوضى، قال المتظاهر إيهاب حسني (27 عاماً): «سأكون قلقاً إذا لم أر الناس هنا (في ميدان التحرير)».

ويرى محللون أن الاحتجاجات في الشوارع قد تصبح ظاهرة مستمرة، في الوقت الذي يحتدم فيه النقاش السياسي حول الشريعة والوضع الأمني المتردي في البلاد، وتدهور الاقتصاد وظاهرة الفساد المتنامية. في حين يبقى العسكر متحصنا في خندق «منقذ الثورة».

ويقول إيهاب حسني «سنخوض ثورة تلو الأخرى، فليكن كذلك. لا أحد يعلم كيف سينتهي كل هذا».

أنطوني شديد كاتب في صحيفة «نيويورك تايمز»

تويتر