دمشق عازمة على التصدي لأطماع أنقرة التوسعية

الجيش السوري يدخل «كوباني» ويشـتبك مع القوات التركية وفصائل موالية لها قرب منبج

ارتفاع أعمدة الدخان في مدينة رأس العين السورية نتيجة القصف التركي. أ.ب

اشتبكت القوات السورية مع قوات تركية وفصائل سورية موالية لها قرب مدينة منبج، للمرة الأولى منذ الاجتياح التركي لشمال شرق سورية، ودخلت القوات السورية مدينة عين العرب (كوباني)، بموجب اتفاق مع الإدارة الذاتية الكردية في مواجهة الهجوم التركي، فيما أكد وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، أن الحكومة السورية عازمة على التصدي للعملية التركية في شمال سورية بكل الوسائل، وشدد على أن سلوك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، «يظهر أطماعه التوسعية، ولا يمكن تبريره تحت أي ذريعة».

وتفصيلاً، اندلعت اشتباكات، أمس، بين الجيش السوري والقوات الكردية من جهة، والفصائل المقاتلة الموالية لتركيا من جهة أخرى، في شمال سورية، حيث تشن أنقرة هجوماً على حدودها منذ أسبوع ضد مناطق الأكراد، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وكانت القوات الكردية دعت الجيش إلى الانتشار في مناطق واقعة في الشمال السوري، منها منبج وعين عيسى، للتصدي لهجوم عسكري تشنّه أنقرة ضد مناطقهم.

ويبدو أن المواجهات بين الجيشين التركي والسوري في شمال سورية باتت أمراً حتمياً، في ظل تقدم القوات التركية وانتشار القوات السورية في المنطقة التي كان المقاتلون الأكراد يسيطرون عليها حتى وقت قريب.

وأكدت موسكو حليف دمشق الأبرز، على لسان الموفد الروسي الخاص الى سورية ألكسندر لافرنتييف، أول من أمس، أن روسيا لن تسمح بمواجهات بين الجيشين التركي والسوري.

ونقلت وكالة «تاس» الروسية عن لافرنتييف «أعتقد أن مثل هذه المواجهات ستكون غير مقبولة ولا تصبّ في مصلحة أحد. ولذلك، لن نسمح بأن تصل» الأمور الى هذا الحد.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، إن بلاده ستسعى من أجل التوصل لاتفاق بين الحكومة السورية والمقاتلين الأكراد، في أعقاب العملية العسكرية التركية شمال شرق سورية.

وأكد لافروف، خلال تصريحات في المنتدى الاقتصادي الروسي الإفريقي المنعقد في سوتشي، أن الحوار بين دمشق والأكراد يحقق نتائج ملموسة، وفقاً لما نقلت عنه وكالة الإعلام الروسية.

وأشارت الوكالة إلى أن لافروف طالب الجيشين السوري والتركي بتحديد كيفية التعاون على الأرض في شمال سورية، مؤكداً استعداد بلاده لمساعدة الطرفين على تحقيق ذلك.

وتطرق لافروف إلى فرار عناصر من «داعش» من مراكز احتجازهم شمال سورية، وقال إن العملية التركية سمحت لسجناء من التنظيم المتطرف بالفرار.

وأضاف أن موسكو ستدعم التعاون الأمني بين القوات التركية والسورية على الحدود بين البلدين.

وسقط أول جريح من القوات التركية في اشتباكات اندلعت قرب منبج السورية، ووصل وهو مصاب بجروح خطرة إلى معبر قرقامش قرب جرابلس.

وكانت وزارة الدفاع الروسية قالت، أول من أمس، إن القوات السورية سيطرت على منطقة مساحتها نحو 1000 كيلومتر مربع حول منبج، التي كانت تركيا أعلنت الاستيلاء عليها قبل أيام.

ونقلت وكالة «إنترفاكس» الروسية عن وزارة الدفاع قولها، إن الجيش السوري سيطر على قاعدة الطبقة الجوية، ومحطتي كهرباء، وجسور عدة على نهر الفرات، حسبما ذكرت وكالة «رويترز».

وفي وقت سابق، أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن وحدات من الجيش السوري دخلت مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي.

وأكد قيادي في مجلس منبج العسكري، الذي يسيطر على المدينة، أن القوات «دخلت المدينة وانتشرت على خطوط الجبهة»، وفقاً لـ«سانا».

يشار إلى أن تركيا بدأت منذ أسبوع تقريباً في التوغل في شمال سورية مستهدفة المسلحين الأكراد، في عملية أثارت استياء وتنديداً دولياً واسعاً.

وأفادت تقارير روسية، أمس، بأن القوات السورية تمكنت من السيطرة على قواعد عسكرية في شمال شرق سورية، كانت القوات الأميركية تركتها قبيل بدء العملية العسكرية التركية في شمال سورية، وفقاً لما نقلته «إنترفاكس» عن التلفزيون الروسي.

وفي دمشق، أكد وليد المعلم، أن الحكومة السورية عازمة على التصدي للعملية التركية في شمال سورية بكل الوسائل. ونقلت (سانا) عن المعلم القول خلال استقباله المبعوث الأممي الخاص لسورية، غير بيدرسون، إن «السلوك العدواني لنظام أردوغان يظهر بجلاء الأطماع التوسعية التركية في الأراضي السورية، وهذا السلوك لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة».

ولفت إلى أن هذا «يهدد جدياً عمل لجنة مناقشة الدستور والمسار السياسي ويطيل من عمر الأزمة في سورية»، وشدد على «تصميم سورية على التصدي للعدوان التركي بكل الوسائل المشروعة».

وجدد الجانبان التأكيد على «الملكية السورية لعمل اللجنة، وعلى أهمية أن يقود السوريون بأنفسهم أعمالها دون أي تدخلات خارجية».

وعبر بيدرسون عن قلق الأمم المتحدة والأمين العام العميق من التطورات في شمال شرق سورية والتبعات الإنسانية الجدية الناتجة عنها، داعياً إلى «وقف فوري للأعمال العدائية وإلى الابتعاد عن الأفعال التي تعرض المدنيين للخطر وتقوض سيادة سورية ووحدتها الإقليمية على كل أراضيها، وتزعزع الاستقرار وتعرض الجهود المبذولة على المسار السياسي للخطر».

يأتي ذلك في وقت أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه «لا يمكن لأي قوة» وقف العملية العسكرية التي تشنها قواته بشكل غير شرعي على الأراضي السورية، مطالباً «جميع المسلحين» بالانسحاب من «المنطقة الآمنة» بشمال سورية.

وقال أردوغان، أمس: «العملية العسكرية ستنتهي عندما تكمل تركيا إقامة المنطقة الآمنة من منبج، حتى الحدود مع العراق».

وأضاف: «أسرع حل للقضية السورية، هو أن يلقي جميع المسلحين أسلحتهم وينسحبوا خارج المنطقة الآمنة في شمال سورية، الليلة».

وأكد أردوغان على نواياه باستبعاد إجراء أي محادثات مع القوات الكردية السورية، قائلاً في خطاب أمام البرلمان: «هناك بعض القادة الذين يحاولون القيام بوساطة. لم يحصل إطلاقاً في تاريخ الجمهورية التركية أن تجلس الدولة على الطاولة نفسها مع منظمة إرهابية».

وفي تصريحات أدلى بها في وقت سابق أمس، رداً على العقوبات الأميركية، قال أردوغان إن بلاده «غير قلقة من العقوبات الأميركية، ولن تمتثل أبداً لطلب واشنطن بإعلان وقف لإطلاق النار في شمال سورية».

كما اعتبر أن دخول الجيش السوري إلى مدينة منبج في شمال سورية، تطور «ليس سلبياً جداً» بالنسبة لأنقرة، طالما أن السيطرة على هذه المدينة لم تعد بأيدي الوحدات الكردية، حسبما ذكرت «فرانس برس».

ونقلت صحيفة «حرييت» التركية عن أردوغان قوله للصحافيين الذين رافقوه على متن الطائرة خلال عودته من أذربيجان: «إنهم يطلبون منا أن نعلن وقفاً لإطلاق النار. لا يمكننا أبداً أن نعلن وقفاً لإطلاق النار».

في السياق نفسه، قالت وكالة الأناضول التركية للأنباء، أمس، إن السلطات اعتقلت 24 شخصاً لنشرهم «دعاية سوداء» على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن العملية العسكرية التي تنفذها أنقرة في سورية.

وذكرت الوكالة أن 24 شخصاً من 186 شخصاً ألقي القبض عليهم لانتقادهم الهجوم على مواقع التواصل الاجتماعي اعتقلوا رسمياً، واتهموا «بتحريض الرأي العام على الكراهية والعداء» و«نشر دعاية لمنظمة إرهابية».

تويتر