لاعبون مختلفون يواصلون عملهم بلا مبالاة

روسيا لا تستطيع فعل شيء إزاء من يقتل جنودها في سورية

الطائرة «ايل-20» أسقطتها المضادات السورية. أ.ب

أحد أسوأ المخاوف التي تميز الصراع في سورية لاسيما بعد تدخل الجيش الروسي بقوة في عام 2015، تمثل في أن سوء التواصل أو ردة الفعل المبالغ بها، وتزايد تعداد الجيوش الأجنبية العاملة في الدولة يمكن أن يسفر عن صراع مباشر بين هذه القوى، الأمر الذي يؤدي إلى اندلاع حرب أكثر خطورة، (خطيرة بالنسبة للدول الأخرى، أما بالنسبة لسورية فإنها تعيش حرباً ضروساً منذ نحو ثماني سنوات)، وربما يكون من المريح أو المقلق بشدة، الإشارة إلى أنه بينما يستمر هذا السيناريو الخطر في هذه الأيام على نحو منتظم نوعاً ما، فإن اللاعبين المختلفين في سورية يواصلون عملهم البشع بلا مبالاة.

وكان آخر هذه الأحداث ما وقع قبل أيام عندما أسقطت المضادات الجوية السورية طائرة روسية قبالة شواطئ مدينة اللاذقية، حيث تمتلك روسيا هناك قاعدة جوية، وأسفر الحادث عن مقتل 15 جندياً كانوا على متن الطائرة، وفي أعقاب هذه الكارثة، ألقت روسيا باللوم ليس على حليفها السوري وإنما على الإسرائيليين. واستناداً لما قاله وزير الدفاع الروسي، فإن الطائرات الإسرائيلية التي كانت تحلق في المنطقة دفعت الطائرة الروسية من طراز «ايل-20» في طريق منظومة الدفاع الجوية السورية. واعترف الجيش الإسرائيلي في تغريدة له بأنه كان يقوم بغارة جوية على «منشأة للجيش السوري»، لكنه قال إن طائراته كانت قد عادت إلى الأجواء الإسرائيلية في الوقت الذي تم فيه إطلاق الصواريخ على الطائرة الروسية، وقال الجيش الإسرائيلي إنه يعتبر نظام الأسد هو المسؤول عن إسقاط الطائرة، إضافة إلى إيران و«حزب الله».

وفي كل الأحوال فقد انتهت الأزمة الدبلوماسية بسرعة، وبعد اتصال هاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنحى بوتين باللائمة على «سلسلة من الظروف الكارثية الطارئة».

وبالطبع فإن روسيا وإسرائيل ليستا حليفين عندما يتعلق الأمر بسورية، إذ إن روسيا إضافة إلى إيران هما الداعمان الرئيسان لنظام الرئيس بشار الأسد، في حين أن إسرائيل تشن حرباً ضد المصالح الإيرانية في سورية، وزادت إسرائيل في الفترة الأخيرة من وتيرة غاراتها الجوية هذا العام، بما فيها الغارة التي شنتها يوم السبت على شحنة سلاح إيرانية في مطار دمشق الدولي، ولم تعارض روسيا قيام مثل هذه الغارات، وهي تتلقى إخطاراً بحدوثها عبر نظام «نشوب النزاعات».

وزار نتنياهو بوتين وعقدا اجتماعات عدة، بما فيها الاجتماع الذي تم في يوليو الماضي، حيث قال نتنياهو بعد ذلك إن روسيا وافقت على إبقاء القوات الإيرانية بعيدة عن إسرائيل مقابل موافقة إسرائيل على بقاء الأسد في الحكم، وبعد مرور بضعة أيام على ذلك كان القلق الإسرائيلي هو الموضوع الرئيس خلال لقاء بوتين مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في هلسنكي، ويرغب بوتين في أن يكون هو القائد الذي أوصل الصراع السوري إلى نهاية سلمية عبر المفاوضات، لكن بشروطه، وهو يدرك أنه لا يستطيع تحقيق ذلك إذا لم تشعر إسرائيل بالأمان، بالنظر إلى أن بقاء الأسد المدعوم من إيران في السلطة سيكون جزءاً من أي صفقة نهائية.

وكل هذا يعني أنه إذا سئم الروس قيام إسرائيل بتنفيذ غارات قريبة من قاعدتهم الجوية، أو أنهم اعتبروا إسرائيل مسؤولة عن مقتل 15 جندياً روسياً قبل أيام، فليس هناك الكثير من المحفزات السياسية بالنسبة لبوتين التي تجعله يضخم هذه الحادثة، فذلك ليس لمصلحته.
وأصبحت عملية قتل الجنود الروس حالة نمطية، ليس من قبل المعارضة أو الإرهابيين فحسب، وإنما من قبل جيوش دول أخرى. وأوضح مقارنة مع هذه الحادثة هو ما وقع عام 2015، عندما قامت طائرة «إف 16» بإسقاط طائرة روسية مقاتلة، إذ أسفرت هذه الحادثة عن حدث دبلوماسي كبير في حينه، حيث تحسنت العلاقات الروسية التركية بصورة متسارعة، بالنظر إلى أن علاقات كلا الدولتين مع أوروبا والولايات المتحدة كانت في الحضيض. وقبل أيام أعلن الرئيسان التركي والروسي أنهما توصلا إلى اتفاق كبير لوقف الهجوم الكارثي على مدينة إدلب التي تعد المكان الأخير الذي لايزال خارج سيطرة نظام الأسد.

وهذا العام وقعت حادثة في فبراير الماضي، عندما شنت طائرات أميركية غارات جوية ضد قوات مؤيدة للأسد كانت تستعد للهجوم على مواقع كردية، ونجم عن الغارات الأميركية مقتل عدد من الروس يقدر ما بين عشرات إلى نحو 300 بمختلف الرتب. وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تبجح بشأن هذه الغارات وقال «قتلنا نحو 200 من الروس» خلال جلسات لمناقشة الموضوع، فإن التصريحات الروسية قللت من أهمية الهجوم، مشددة على أن الرجال الذين قتلوا كانوا «متطوعين» وليسوا جنوداً في الجيش الروسي.

وضع غريب

تبدو روسيا في وضع غريب في سورية، ويقال إنها اللاعب الأجنبي الرئيس في الصراع السوري، والأمر الأكثر غرابة أنها تتمتع بعلاقات محترمة، أو على الأقل علاقات عمل مع معظم اللاعبين الرئيسين في الصراع السوري، والعديد من هؤلاء في صراع مفتوح مع بعضهم بعضاً مثل: نظام الأسد، إسرائيل، إيران، تركيا، والأكراد، والولايات المتحدة، التي باتت علاقتها بها أخيراً معقدة بشكل كبير.
ونظراً إلى كل هذه العلاقات المعقدة يبدو أن روسيا ليست في وضع يسمح لها بالرد أو حتى الإعراب عن غضب شديد عندما يقوم أحد هؤلاء اللاعبين بقتل جنودها عرضاً، أو حتى في بعض الحالات عن عمد، وهذه ليست رسالة مشجعة للجنود أو المتطوعين الروس العاملين في سورية والذين يعرضهم بوتين للخطر من خلال تصميمه على تحقيق مآربه من الصراع الحالي الدائر في سورية.

- روسيا وإسرائيل ليستا حليفين عندما يتعلق الأمر
بسورية، فروسيا إضافة إلى إيران هما الداعمان
الرئيسان لنظام الرئيس بشار الأسد، في حين أن
إسرائيل تشن حرباً ضد المصالح الإيرانية في سورية.

تويتر