واشنطن تنتظره حتى يستخدم غاز «السارين» لردعه

النظام السوري يعود إلى إرهاب الـدولة الشامل من خلال عقاب جماعي على نطـاق واسع

صورة

مع استمرار المجزرة في الغوطة الشرقية المحاصرة في ضواحي دمشق، التي يعيش فيها نحو 400 ألف شخص، يصبح السؤال الواضح أكثر إلحاحاً: كيف يمكن وقف هذا العمل البغيض؟ لا توجد رصاصة خالية من المخاطر أو جرع سحرية، كما لا توجد عصا دبلوماسية سحرية أو مياه مقدسة، لكن هناك شيئاً واحداً لا مفر منه، وهو أنه ما لم تنظر الولايات المتحدة بجدية في ضربات عسكرية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهو نظام غارق في جرائم الحرب والفظائع المرتكبة ضد الإنسانية، فإن أي نقاش حول «ما يجب فعله» فارغ.

لو استخدم غاز السارين في الشوارع والأزقة والمنازل

والمستشفيات في الغوطة الشرقية، فإن إدارة

ترامب، بالتأكيد، ستنظر في توجيه ضربات عقابية

ضد نظام الأسد، وإقناع مجموعة من القتلة في

دمشق بأنهم غير أحرار في شن حملات قتل جماعي.

في أبريل 2017، قامت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بما لم يتجرأ سلفه باراك أوباما على القيام به، لقد ردت عسكرياً على نظام الأسد لاستخدامه غاز الأعصاب ضد المدنيين العُزّل. وأدى الانتقام إلى آثار إيجابية، بتدمير ما يصل إلى 20% من القوة الجوية للنظام. وقد امتنعت قوات الأسد حتى الآن عن مواصلة استخدام غاز السارين، ولفترة وجيزة، تباطأت وتيرة حملة القتل الجماعي للنظام.

وفي نهاية المطاف، توصل الأسد ومن حوله إلى النتيجة نفسها التي توصلوا إليها في خريف عام 2013، بعد أن وافقوا ــ كذباً كما اتضح ــ على تصفية مخزونهم من الأسلحة الكيماوية: طالما أننا نمتنع عن استخدام غاز الأعصاب، فيمكننا أن نفعل ما نريد إزاء من نريد وعندما نريد.

لقد عاد النظام إلى إرهاب الدولة الشامل، بعد ذلك، من خلال عقاب جماعي على نطاق واسع، بعد مفاوضات السلام في أواخر عام 2013 وأوائل عام 2014. وأسهمت أعمال القتل الجماعية العشوائية بشكل حاسم في أزمة المهاجرين التي اجتاحت أوروبا الغربية في عام 2015، وهو تطور كانت له آثاره السياسية على الديمقراطيات، وجعلت الكرملين مسروراً إلى أبعد الحدود.

العناصر الرئيسة من السلسلة نفسها تتكشف الآن، ويحسب الأسد ومؤيدوه الخارجيون (روسيا وإيران) أن بإمكانهم أن يلحقوا الموت والدمار بالأحياء السكنية المكتظة بالسكان إلى أي مدى يحلو لهم، شريطة أن يفعلوا ذلك من دون غاز السارين. يجدر بالذكر أن رئيساً أميركياً آخر رسم خطاً أحمر على استخدام السلاح الكيماوي، إلا أن الأسد استعان بغاز الكلور، واستخدمه لتعزيز الإرهاب بين الأهالي والأطفال. إنه وداعميه يتعاملون مع إجراءات إدارة أميركية أخرى.

كيف كان رد الإدارة؟ صرّح مستشار الرئيس ترامب للأمن القومي، هيربرت ماكمستر، أمام مؤتمر الأمن في ميونيخ قبل أيام، قائلاً «في أبريل 2017، عندما استخدم نظام الأسد مرة أخرى هذه الأسلحة البشعة ضد الأبرياء، ردت الولايات المتحدة، وقد تصرفنا لردع الهجمات الكيماوية في المستقبل، وضمان ألا يصبح استخدام هذه الأسلحة روتينياً»، متابعاً «وتبيّن من خلال الصور أن استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية مستمر. لقد آن الأوان لأن تحاسب جميع الدول النظام السوري ومن يرعاه عن أعمالهم، وأن تدعم جهود منظمة حظر الأسلحة الكيماوية».

إنه بيان صريح واعتراف واضح بالفشل. كان الهدف من هجمات صواريخ كروز 2017 ردع الهجمات الكيماوية في المستقبل. ومع ذلك، فإن «استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية مستمر». ماذا نفعل حيال ذلك؟ محاسبة النظام ومن يدعمه وإخضاعهم للمساءلة، من خلال دعم جهود الهيئة التي تقوضت أعمالها الجيدة بسبب ازدواجية نظام الأسد، من سيجبره على الامتثال؟

بعد وقت قصير من انتهاء الهجمات في أبريل 2017، حثت الإدارة الأميركية نظيرتها في روسيا، وفق بيان جاء فيه «هذه المرة ضربنا لأن عميلكم استخدم السارين، في المرة المقبلة قد يكون الهجوم رداً على أداة مختلفة من الإرهاب. القتل الجماعي غير مقبول، فهو يشجع المتطرفين، ويقوّض حلفاءنا، كما يعيق محادثات السلام التي تقولون إنكم تريدونها»، ويتابع البيان «إنه يستهدف الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، ونحن نحتفظ بالحق في الضرب متى وأين نختار إذا استمر القتل الجماعي. أوقفوا عميلكم عن هذه الأعمال القذرة».

للأسف، يبدو أن هذه الرسالة لم تصل. تخيل موقف والد في الغوطة الشرقية يدعو الله أن يستخدم النظام غاز السارين حتى يكون ذلك مصدر إلهام لشخص ما للقيام بشيء يتجاوز الحديث عن الرعب الذي يحدث. إن قراءة تصريحات السفيرة في الأمم المتحدة، نيكي هالي، توحي بالاستمرارية وعدم تغير موقف الإدارة، وتصريحات هالي تقترب من تعليقات سلفها، سامانثا باور، بشأن هذه المسائل.

لو استخدم غاز السارين في الشوارع والأزقة والمنازل والمستشفيات في الغوطة الشرقية، فإن إدارة ترامب، بالتأكيد، ستنظر في توجيه ضربات عقابية ضد نظام الأسد، وإقناع مجموعة من القتلة في دمشق بأنهم غير أحرار في شن حملات قتل جماعي. كم هو محزن بالنسبة للأطفال والآباء في الغوطة أن قذائف المدفعية والهاون والصواريخ والبراميل المتفجرة (بعضها محملة بأسطوانات غاز الكلور) هي الأسلحة التي تم اختيارها، فقط، في هذه الحلقة المروعة من الحرب السورية.

سيئ للغاية بالنسبة إليهم، كما أنه سيئ للغاية لسمعة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.

فريدريك هوف: المستشار الخاص في وزارة الخارجية الأميركية سابقاً.

تويتر