"لماذا يكرهنا الروس".. شهادات ناجين من "أسوأ مجزرة أوروبية في هذا القرن"

تحولت بلدة صغيرة في ضواحي العاصمة، كييف، خلال شهر فقط من منطقة صغيرة دافئة سريعة النمو إلى رمز للرعب.

إذ كانت بوتشا، البلدة الصغيرة في شمال غربي كييف، تتكون من مبان سكنية محاطة بالغابات، لكن الاجتياح الروسي لأوكرانيا وما تبعه من انسحاب في مارس، ساهم في خلق مشاهد في البلدة تعكس أسوأ مجزرة شهدتها القارة الأوروبية في القرن الحادي والعشرين.

سكان البلدة من الناجين وثقوا مشاهد الرعب التي عاشوها في المدينة التي ترك فيها الأشخاص ليموتوا على قارعة الطريق بعد إطلاق القوات الروسية النار عليهم، وأكوام من الجثث المتفحمة التي يرجح أن الروس قاموا بحرقها.

ويصف عامل في بوتشا اسمه سيرهي، الذي ساعد في انتشال الجثث ما رآه لصحيفة "كييف إندبندنت" المحلية، مشيرا إلى أنه رأى أكثر من 300 جثة، ويرجح مسؤولون في البلدة تواجد العشرات من الجثث في الشقق والمنازل بالإضافة إلى الغابات.

وتحوي المجزرة على "مغارة من الأدلة" على وقوع انتهاكات، وفقا لتعبير الصحيفة الأوكرانية، فخلال الأسابيع الستة التي قبعت فيها بوتشا تحت الاحتلال الروسي، قال السكان المحليون إنهم أخضعوا لحملات تفتيش وسرقة وتعذيب وإعدامات جماعية.

وتم تأكيد وجود مقبرة جماعية واحدة على الأقل في بوتشا. 

وبحسب ما أعلنته النائبة العامة لأوكرانيا، إيرينا فينيديكتوفا، في الثالث من أبريل، فقد عثر على جثث تعود إلى 410 مدنيين في بوتشا وأراض أخرى في منطقة استعادتها القوات الأوكرانية مؤخرا من القوات الروسية.

وقالت فينيديكتوفا إن التحقيقات أفضت إلى ارتكاب آلاف جرائم الحرب المحتملة وأكثر من 200 مشتبه به بألة مادية تؤكد ضلوعهم في الجرائم المرتكبة بالبلدة.

من جانبها، نفت موسكو قتلها مدنيين في بوتشا، وتحدث الكرملين ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن "تزوير" و"فبركة" من جانب أوكرانيا والصحافة.

تنظر هاليانا أوبالات، إلى الدمار الذي حل بمباني بوتشا متسائلة: "لماذا يكرهوننا لهذه الدرجة؟"، مشيرة في حديثها إلى الروس وتعاملهم مع الأوكرانيين.

وتضيف "لماذا؟ هل لأننا أمّة؟ هذه كانت مدينة جميلة، لكنها اليوم تبدو مخيفة للناظرين، إنه أمر يفطر فؤادي".

وتقول الصحيفة إن محادثة قصيرة مع واحد من الناجين تسرد كما هائلا من الفظائع المرتكبة بحق سكان المدينة، "هناك مقابر في كل مكان، هنا وهناك، في الباحات الخلفية للمنازل والطرق المقفلة"، تقول البروفيسورة فلاديسلافا ليوباريت، 51 عاما، خلال انتظارها في طابور لاستلام الخبز ضمن المساعدات الإنسانية التي أتت للبلدة.

وتضيف "العديد والعديد من الناس فقدوا، هنا في بوتشا، الروس كانوا يأخذون الطعام والمجوهرات والسكان كانوا يسلّمونها فقط للبقاء على قيد الحياة".

وتقول إن الهواتف كانت أول ما قامت القوات الروسية بمصادرته، مشيرة إلى أنهم دفعوا السكان المحليين إلى قتل دواجنهم التي اعتمدوا عليها للعيش، وإن رفضوا كانوا يقتلونها بأنفسهم ويأخذون الجِيَف معهم.

"لم يكن لدى الكثيرين طعام لحوالي أسبوعين، لن أنسى كيق قبّل مسن يد جاره لأنه أتاه ببيضة مسلوقة وبعض الماء"، تقول مستذكرة.

وتقول ليوباريت إن نقطة تفتيش "القاديروفيين" كانت "الأكثر رعبا" في إشارة إلى القوات الشيشانية تحت قيادة الرئيس رمضان قاديروف، والذي يدعم جهود موسكو في أوكرانيا.

وتضيف للصحيفة الأوكرانية "كانوا يطلقون النار بنية القتل دون طرح أي أسئلة، ودون التأكد من وثائقهم، في تلك المنطقة كانت هناك العديد من الجثث.. القاديروفيون قتلوا الجميع: نساء ورجالا وأطفالا العمر لم يكن هاما".

وأكدت أن بعض نقاط التفتيش كانت تقتل الرجال بأعمار تتراوح بين 18- 65 عاما، "كانوا يتفقدون وثائقهم ويقتلونهم"، مشيرة إلى أن نقاط تفتيش أخرى كانت تقتل بعض المارة وتترك آخرين "دون سبب واضح".

الرجال المحليون الذين كانوا مؤهلين للخدمة العسكرية واجهوا مشقات عديدة في بوتشا، يقول يوري سنيغيروف، 57 عاما، الذي نجا من عملية إعدام، وفق تعبيره: "أتوا إلينا وأخبرونا إنهم تلقوا أوامر بقطع المصروف عنا، أي قتلنا، لكن فيما يخص حالتي خلّصوني".

أوليكساندر بايتسان، شاب ينتظر أيضا في طابور الخبز يقول إنه نجا بالاختباء في قبو طوال الوقت، بعيدا عن الأنظار.

ويشير لصحيفة "كييف إندبندنت" إلى أن بوتشا قسمت إلى قطاعات عدة، مضيفا "في قطاعي كان الروس مشغولين للغاية لذا لم يتسن لهم التحقق بحرص من المساكن، في قطاعي كان هناك 'روسكفارديا' وهي وحدة الحرس الوطني الروسية المؤلفة من شباب يافعين للغاية، والذين كانوا مستعدين للحفاظ على حياة البعض، إلا أن القوات العسكرية لم تكن لتفعل ذلك".

أظهر الحرس الوطني الأوكراني بعض الجثث التي تم حرقها في بوتشا للصحفيين في الخامس من أبريل، قرب ساحة للعب الأطفال، وفقا لما ذكرته "كييف إندبندنت".

أربع من الجثث تعود لنساء واثنان منهما لرجلين، إحدى جثث الإناث المتفحمة صغيرة ويرجح رئيس الحرس الوطني الأوكراني، أندريه نيبيتوف، إنها تعود لطفلة.

ورجح أن القوات الروسية عثرت على الضحايا في قبو ربما لجؤوا إليه قبل إطلاق النار عليهم، ثم جمعت الرفات في كومة وأشعلت النار فيها.

وعودة إلى لابايت في طابور الخبز، تؤكد البروفيسورة أن عمليات السرقة كانت قاسية، حيث كان الجنود الروس يوقفون الناس في الشارع ويطلبون منعم نزع الثياب التي قد تعجبهم، تحت تهديد النار.

وذكرت لابايت بالإضافة إلى مصدر آخر للصحيفة إن الروس كانوا "في بعض الأحيان يجبرون الناس على التعري والانبطاح أرضا ثم قيدوهم، وتركوهم ملقين حتى يقوم أحد من الجيران بالاقتراب منهم والتأكد من أنهم على قيد الحياة وفك رباطهم". 

تويتر