مصر.. رحيل رائد الاستنارة والتسامح الديني الأنبا يوحنا قلته

ودعت مصر الأسبوع الماضي المفكر الموسوعي المستنير الأنبا يوحنا قلتة ، والذي عرف بانه أحد قادة الحوار الديني والتعايش الإيجابي في المشرق العربي ، والذي جمع إضافة إلى دراسته اللاهوتية سجلا أكاديميا مميزا حيث حصل على شهادة  الماجستير عن فكر طه حسين والدكتوراه عن الفكر الاستشراقي من جامعة القاهرة، واصدر عدة كتب حول محاور فكرية هامة ، كما عرف بجهده الدؤوب على الصعيد العملي في حوار الأديان والحضارات كعضو في لجنة الحوار الإسلامي المسيحي في مصر.

ونعت الكنيسة الكاثوليكية الأنبا يوحنا قلتة في بيان رسمي ، كما نعته الطائفة الإنجيلية وقال رئيسها الدكتور القس اندريه زكي " نودع المفكر المصري الكبير الذي رحل عن عالمنا بعد عطاء فكري طويل وخدمة روحية كبيرة ، والذي كان له دور عظيم في دعم قيم الحوار والعيش المشترك".

اعتبر يوحنا قلتة أن مواجهة التشدد والتعسف لدي المتطرفين ومواجهة الازدواجية في مجتمعاتنا قضية حياته ، بحسب حوار أدلى به للصحافي حمدي عبدالرحيم في جريدة الدستور في 28 أغسطس 1998، كما دعى إلى قرن الحوار الديني بالفلسفي في مقال له بالأهرام في 18 فبراير 2008، وقال أن "الحوار الذي شارك فيه كان له دور ورسالة حقيقية في تقريب الضمائر والقلوب وأحدث تقاربا ملموسا وتسامحا واسعا بين فئات المجتمع"،  لكنه "لم يتحول إلى ظاهرة اجتماعية وفكرية ولذا فأننا بحاجة إلى إحياء فلسفتنا العربية والعودة إلى ينابيعها".

وقال الكاتب حلمي القمص في مقال له على موقع "تراث الكنيسة القبطية"أن " جرأة الأنبا يوحنا قلتة استثنائية ، فهو يعرف نفسه بكونه اسقفا مسيحيا ثقافته مسيحية إسلامية ، ولا يتحرج في مناسبات إسلامية أن يشيد بالجوانب المشرقة في الحضارة العربية الإسلامية، وقد كتب في جريدة الأهرام في 21 يناير 1998 مقالا بعنوان (رمضان كريم- تأمل مسيحي) أشاد فيه بـ" شخصية الإنسان العظيم محمد بن عبدالله نبي الإسلام "، وقال أن "جوانب هذه الشخصية  ما زالت اكبر من اكتشاف كل جوانب عظمتها "، مشيرا إلى أن تشاداه هذه لا تعني التنكر لعقيدته المسيحية أو تعرضه لتهمة  النفاق ، وان كلماته هذه  "ليست إلا دعوة إلى الحب والمودة والتفاهم وإقامة حورا إنساني رفيع بين الإنسان وإلا نسان المختلف عنه". وقال حلمي القمص أن "الأنبا يوحنا قلتة هو نتاج مصري للثورة التي حدثت في الكنيسة الكاثوليكية في المجمع الفاتيكاني الثاني 1962-1965).

وقال القس رفعت كمال سعيد أن "الأنبا يوحنا قلتة كان يدعو للحرية وأعمال العقل "، "وكان " يؤمن بوجوب إزاله عقلية القرن الـ18 ، والـ19، ، عقلية الاستعمار والتفوق العرقي ، وإزالة ثقافة القرن العشرين التي قامت على أساس السلاح لردع الإنسان والمال في خدمة المتعة".

ولد كمال قلته ، والذي تسمى كنسيا بيوحنا قلتة بقرية القطنة بطهطا بمحافظة سوهاج عام 1937، والتحق بالمدارس الكاثوليكية ليتخرج كاهنا حيث اصبح راعي كنيسة السجود بشبرا منذ عام 1961 ، ثم التحق بعدها بكلية الآداب قسم الدراسات العربية بجامعة القاهرة حيث حصل على اليسانس ثم الماجستير عن فكر عميد الأدب العربي د طه حسين ثم الدكتوراه في "دراسة المستشرقين الفرنسيين للشعر العربي "، وقام بتدريس الأدب الفرنسي في أكاديمية الفنون ، كما تولى مسؤلية الإعلام والصحافة وتراس" اللجنة المصرية الكاثوليكية للعدل والسلام "، كما حصل على التوازي على عضوية نقابة الصحافيين المصريين وانتظم ككاتب في "مجلة الجديد"، وأصدر عدة كتب منها "مذكرات راهب في الأرياف"، و "أشواك الروح"، و"الإنسان هو القضية –الإنسان هو الحل"، و "أرواح جائعة" "اثر الثقافة الفرنسية في أدب طه حسين"، كما ألف رواية بعنوان "قرب غرب النيل".

وقد كرمت وزارة الثفافة المصرية الأنبا يوحنا قلتة تقديرا لثقافته وكتاباته ودوره التنويري في سبتمبر 2018.

تويتر