من كان يعرف وماذا عن تخزين نيترات الأمونيوم وأخطاره في مرفأ بيروت؟

حجم الدمار الذي خلفه انفجار المرفأ كان ضخماً للغاية. أرشيفية

كانت الأجهزة الأمنية ومسؤولون سابقون وحاليون على علم بمخاطر تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، حتى أن جهازاً أمنياً حذّر السلطات من أن اشتعال هذه المواد قد يؤدي إلى انفجار مدمّر. رغم ذلك، لم يتحرك أحد لمنع حصول الكارثة التي أودت بحياة 171 شخصا وإصابة 6500 آخرين.

 

قبل التفجير

في 20 يوليو، تلقى رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب رسالة من جهاز أمن الدولة حول "الخطر" الذي يشكله وجود كميات ضخمة من مادة نيترات الأمونيوم مخزنة في مرفأ بيروت.

وأكدّ جهاز أمن الدولة في بيان أصدره الثلاثاء أنه "أعلم السلطات بخطورة" هذه المواد "بموجب تقرير مفصل".

وكان أمن الدولة بدأ مطلع العام الحالي تحقيقاً حول العنبر 12 الذي خزّن فيه قبل أكثر من ست سنوات 2750 طنا من مادة نيترات الأمونيوم المصادرة من باخرة توقفت في مرفأ بيروت في العام 2013.

وفي تقرير صدر بعد انتهاء التحقيق واطلعت وكالة فرانس برس على نسخة منه، جاء أن "هناك مواد خطرة تستخدم لصناعة المتفجرات" في العنبر، و"مادة سائلة من نوع نيتروغليسيرين السريعة الاشتعال ترشح" من أحد المستوعبات داخله.

ونقل عن خبيرة كيميائية زارت المكان "أن هذه المواد وفي حال اشتعالها، ستسبّب انفجاراً ضخماً ستكون نتائجه شبه مدمرة لمرفأ بيروت".

وحذّر التقرير من حصول سرقات من العنبر نتيجة فجوة كبيرة في "الحائط الجنوبي".

وقال بيان لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بعد الانفجار إن العنبر كان يحتوي على "مواد ملتهبة سريعة الاشتعال وكابلات للتفجير البطيء".

وقال مصدر أمني لفرانس برس إنّ العنبر ضمّ كذلك بارود ومفرقعات وبراميل طلاء.

في 24 يوليو، صاغ المجلس الأعلى للدفاع الذي يضم قادة كل الأجهزة العسكرية والأمنية، بناء على إحالة من رئيس الجمهورية، رسالة الى وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار، حول وجود "كمية كبيرة من نيترات الأمونيوم التي تستعمل للمتفجرات" في المرفأ. ووصلت الرسالة في الثالث من أغسطس.

ويقول الوزير المستقيل لوكالة فرانس برس "عرفت بالأمر قبل 24 ساعة من وقوع الانفجار عندما وصلتني رسالة المجلس الأعلى للدفاع"، مرجحاً تأخر وصولها إليه بإجراءات الإغلاق جراء وباء كوفيد-19 وإجازة عيد الأضحى.

على الأثر، طلب الوزير من مستشاره الاتصال برئيس مجلس إدارة المرفأ حسن قريطم الموقوف حاليا للاستفسار، وطلب منه إرسال كل المستندات المتعلقة بالقضية إلى الوزارة، وهو ما حصل. لكن في اليوم التالي، وقع الانفجار.

والعنبر رقم 12 مخصص لتخزين البضائع العالقة والمصادرة في مرفأ بيروت.

وكان يحوي 2750 طناً من نيترات الأمونيوم وصلت في نوفمبر 2013 إلى مرفأ بيروت على متن باخرة تدعى "روسوس" توقّفت في بيروت في طريقها من جورجيا إلى موزمبيق.

وادعت شركة لبنانية لدى قاضي الأمور المستعجلة على الشركة المالكة للباخرة، فتمّ الحجز عليها من القضاء. في حين ذكرت تقارير أخرى أنها لم تدفع رسوم التوقف في مرفأ بيروت، فتم حجزها. ويبقى اللغز الكبير أن أحدا لم يطالب بحمولتها. بعد أشهر، تمّ إفراغ الحمولة في العنبر رقم 12. في 2018، غرقت السفينة قبالة مرفأ بيروت.

 

التحقيق الأمني

ويقول نجار "تمّ تبادل مراسلات عديدة خلال السنوات السبع الماضية بين القضاء وجهاز أمن الدولة وإدارة المرفأ" حول المواد الخطرة.

وكشف مصدر أمني آخر لفرانس برس أن الأمن العام حذّر في رسالة عام 2014 من خطورة الشحنة التي كانت تحملها الباخرة "روسوس" في رسالة وصلت إلى رئاسة الجمهورية والحكومة ووزارتي الداخلية والأشغال.

وتعاقبت أربع حكومات على السلطة منذ ذلك التاريخ.

في رسالته إلى السلطات في تموز/يوليو، تحدّث جهاز أمن الدولة عن "وجود إهمال وتقصير من إدارة واستثمار مرفأ بيروت في حراسة العنبر" ما يسهّل سرقته. وأشار الى أن "الإدارات الرسمية لم تقم بأي إجراء لمعالجة الوضع بغية إبعاد الخطر الذي تسببه هذه المواد في حال تعرضت للسرقة أو الحريق".

وكان جهاز أمن الدولة تواصل في أيار/مايو 2020 مع النائب العام التمييزي غسان عويدات الذي أمر بوضع حراسة على العنبر وصيانة أبوابه ومعالجة فجوة فيه.

ويقول المصدر الأمني الأول إن إدارة المرفأ تأخرت بالتنفيذ حتى الرابع من أغسطس، مرجحاً أن حريقاً اندلع أثناء إصلاح العنبر، فأدى إلى الانفجار.

منذ بدء التحقيق، تمّ توقيف أكثر من عشرين شخصا بينهم مسؤولون ومهندسون في المرفأ.

واستمع المحامي العام التمييزي غسان خوري الى إفادة مدير عام أمن الدولة اللواء أنطوان صليبا في جلسة استمرت ساعات الثلاثاء. وقال مصدر قضائي إنه تم استجوابه بشأن تأخر جهازه في تبليغ القضاء وعدم متابعته تنفيذه الإشارة القضائية بوضع حارس للعنبر وصيانته.

 

"لست مسؤولاً"

فور وقوع التفجير، وقبل أن يبدأ انتشال الجثث من بين الأنقاض، وعلى مدى الأيام التي تلت، حاول مسؤولون على كل المستويات التنصل من المسؤولية، متقاذفين الاتهامات في بلد ينهش الفساد كل مؤسساته، وبينها المرفأ الذي تناولته تقارير إعلامية ودراسات عديدة مركزة على مسائل التهريب الضريبي فيه والرشاوى والفضائح والصفقات التي تمر عبره.

وسارع مدير عام الجمارك بدري ضاهر الموقوف أيضا الى نشر مضمون رسالة وجّهها في ديسمبر 2017 إلى قاضي الأمور المستعجلة قال فيها إنه يكرّر طلبه إعادة تصدير أطنان نيترات الأمونيوم، مشيرا الى إمكانية بيع المادة الى شركة لبنانية بعدما تبلّغ منّ قيادة الجيش عدم حاجتها لها.

وأقرّ الرئيس اللبناني الجمعة أنه تلقى رسالة من جهاز أمن الدولة في يوليو حول الموضوع أحالها الى المجلس الأعلى للدفاع للتواصل مع المعنيين.

وقال لصحافيين "أنا لست مسؤولاً، لا أعرف أين كانت موضوعة (كميات النيترات) ولا درجة خطورتها. وليست لدي صلاحية لأتعاطى مع المرفأ مباشرة. هناك تراتبية يجب أن تعرف واجباتها".

في الشارع، يحمّل اللبنانيون الغاضبون كل المسؤولين من دون تمييز مسؤولية ما حصل بسبب فسادهم واستهتارهم ويطالبون بالمحاسبة.

على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت خلال الأيام الماضية صور لعون كتب عليها بالإنجليزية "كان يعرف".

تويتر