الخصوبة الوطنية بين الطموح والتحدي

حين تطرح الحكومة هدفاً واضحاً لتعزيز الخصوبة بين المواطنين، فهي بذلك تضع مستقبل الدولة بين أيدي مواطنيها، لا بوصفهم سكاناً فحسب، بل شركاء في استدامة الهوية الوطنية والبنية الاجتماعية والاقتصادية. فالمسألة لا تتعلق بمجرد أرقام وإحصاءات، بل بمشروع طويل الأمد عنوانه: الاستقرار السكاني من داخل المجتمع، لا عبر بدائل سريعة أو مؤقتة.

تراجع معدلات الإنجاب بين المواطنين، وتحديداً المواطنات، بات ملحوظاً في العقدين الأخيرين، حيث تقترب بعض التقديرات من معدل 1.1 طفل لكل امرأة، وهو ما يُنذر على المدى البعيد بنقص حاد في التوازن السكاني، واتساع الفجوة بين فئة الشباب وفئة كبار السن. وبينما تشجع بعض الخطابات الرسمية على خيارات مثل التعدد أو الزواج المبكر، فإن هذه الدعوات، وإن كانت شرعية ومباحة، لا تكفي وحدها ما لم تُعالج البيئة الحقيقية التي تُولد فيها هذه القرارات.

فأول ما يواجه المقبل على الزواج هو العائق الاقتصادي، من إيجارات مرتفعة إلى تكاليف معيشية تثقل كاهل الأسرة حتى قبل أن تبدأ. تليها التحديات التربوية والتعليمية، إذ أصبح كثير من المواطنين يرون أن المدارس الخاصة هي الخيار الآمن لأولادهم، رغم توافر المدارس الحكومية، بسبب القلق المرتبط بجودة المخرجات التعليمية، ما يضيف عبئاً مالياً إضافياً لا يشجع على التوسع في الإنجاب.

ثم تأتي التحديات النفسية والاجتماعية، حيث تتأخر قرارات الزواج، أو تُربط الإنجابات بالتخطيط المالي الدقيق، أو تُستبدل القيم العائلية بثقافة الرفاهية والفردية، ما يجعل قرار إنجاب طفل إضافي يبدو مجازفة أكثر منه استثماراً في الأسرة.

ولكي تؤتي دعوة تعزيز الخصوبة ثمارها، لابد من إطلاق منظومة دعم متكاملة تشمل برامج إسكان ميسرة، تحسين جودة التعليم الحكومي ليكون الخيار الأول، دعماً مالياً مباشراً للحمل والولادة والرعاية المبكرة، تأميناً صحياً شاملاً للأطفال، وتحفيزات مرتبطة بعدد الأبناء المواطنين، إضافة إلى خطاب إعلامي متزن يعيد ترسيخ قِيم الأسرة دون وصم أو ضغط.

تعزيز الخصوبة مشروع وطني، لا تحققه خطبة، ولا ينجح في قرار، بل بتهيئة ذكية وشاملة تعيد للمواطن شعور الأمان والرغبة في البناء والتكاثر.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

 

الأكثر مشاركة