الاتزان العاطفي والقيم.. صمام الأمان للأسرة

*نائب مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية - قطاع الخدمات المساندة

الدكتورة سميرة النعيمي*

في رحلة بناء الأسرة، كثيراً ما نلتفت إلى الجوانب المادية أو الصحية الظاهرة، ونغفل عن ركائز أعمق وأبقى أثراً، تتمثل في الاتزان العاطفي والصحة النفسية للطفل، وغرس القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية بوصفها صمام الأمان الحقيقي لاستقرار الأسرة واستمرارية توازنها عبر الأجيال.

ويبدأ هذا الاتزان منذ السنوات الأولى من عمر الطفل.

فالطفل المتزن عاطفياً هو الأقدر على فهم مشاعره والتعبير عنها بصورة صحية، وأكثر استعداداً لتحمّل أدواره الأسرية والاجتماعية مستقبلاً. وتشير دراسات عديدة إلى أن الاتزان العاطفي في الطفولة يرتبط ارتباطاً مباشراً بالصحة النفسية في مراحل لاحقة من العمر، ويحدّ من كثير من الاضطرابات السلوكية والانفعالية.

ولا يكتمل هذا الاتزان دون قيم واضحة تشكّل بوصلة داخلية للطفل، فغرس القيم الدينية لا يتحقق بالخطاب المباشر وحده، بقدر ما يتشكل عبر القدوة والممارسة اليومية، وربط السلوك بمعناه الإنساني والأخلاقي. وعندما تُغرس هذه القيم في الحياة اليومية، تعزّز شعوراً بالطمأنينة، وتُنمي الإحساس بالمسؤولية، وتربط السلوك بمبادئ الرحمة والعدل والاحترام وضبط النفس، لتصبح عاملاً داعماً للصحة النفسية، ومصدراً للاستقرار الداخلي في مواجهة ضغوط الحياة.

كما تلعب القيم الأخلاقية والاجتماعية دوراً محورياً في تشكيل سلوك الطفل داخل الأسرة وخارجها، فهي التي تنظّم علاقته بالآخرين، وتحدّد طريقته في الحوار، والتعاون، واحترام الاختلاف. ويختلّ الاتزان مهما توافرت الإمكانات الأخرى، إذا لم يكن السلوك محكوماً بقيم داخلية راسخة تضبطه وتوجّهه.

إن الأسرة التي تستثمر في الاتزان العاطفي لأبنائها، وتحرص على غرس القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية منذ الصغر، لا تبني طفلاً متوازناً فحسب، بل تؤسس لمجتمع أكثر استقراراً وتماسكاً، فهؤلاء الأطفال هم آباء وأمهات الغد، وهم من سيحملون لاحقاً مسؤولية بناء أسر جديدة، أو نقل القيم ذاتها إلى الأجيال القادمة.

وهكذا، يصبح الاتزان العاطفي المدعوم بالقيم ليس خياراً تربوياً، بل ضرورة مجتمعية، وصمام أمان حقيقي يضمن استمرارية الأسرة في عالم سريع التغيّر، ويمنح أبناءنا القدرة على العيش بثقة، واتزان، ووعي.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيه.

تويتر