رجب شهر الله

ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن رجب شهر الله ويُدعى الأصم»، لأنه تصمت فيه قعقعة السلاح، فقد كان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يضعون أسلحتهم تعظيماً له، مما توارثوه من الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام، فكان الناس يأمنون وتأمن السُّبُل، ولا يخاف بعضهم من بعض حتى ينقضي.

وإضافة هذا الشهر إلى الله تعالى إضافة تشريف، كقوله تعالى: ﴿نَاقَةَ اللَّهِ﴾، وتشريفه من حيث إنه أول الأشهر الحُرم التي عظّمها الله تعالى، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾، قال الإمام البيهقي رحمه الله تعالى: «وَلِذَلِكَ غَلَّظَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه دِيَةَ مَنْ قُتِلَ خَطَأً فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، قال: وَإِذَا كَانَ الذَّنْبُ فِيهِنَّ أَعْظَمَ وِزْرًا كَانَ الْبِرُّ فِيهِنَّ أَكْثَرَ أَجْرًا». وقد ورد من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحبُّ أن يرفع عملي وأنا صائم»، فدل على أن الناس في عهده عليه الصلاة والسلام كانت لهم عناية بشهر رجب، فيكثرون فيه الصيام والأعمال الصالحة، ويتناسون شعبان، فلم ينكر عليهم، بل أراهم اهتمامه بشعبان حتى لا يتناسوه بالعمل الصالح، ومنه الصيام، وقد ذكر ابن رجب في لطائف المعارف أن بعض السلف كان يصوم الأشهر الحُرُم كلها، منهم ابن عمر رضي الله عنهما والحسن البصري وأبوإسحاق السَّبِيعي، وقال الثوري: «الأشهر الحُرم أحبُّ إلي أن أصوم فيها»، على أن الصوم في ذاته من أفضل الأعمال إلى الله تعالى، فمن صام يوماً في سبيل الله، بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً، كما ثبت في الصحيحين. ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن القُرطبي قوله: «سبيل الله طاعة الله، فالمراد من صام قاصداً وجه الله»، ثم عقّب عليه بقوله: «ويحتمل أن يكون ما هو أعم من ذلك». ونقل عن ابن دقيق العيد قوله: «ويحتمل أن يراد بسبيل الله طاعته كيف كانت».

قلت وهذا فضل الله تعالى لمن أراد أن ينافس في الطاعة، ويبتغي سبيل ربه سبحانه، فلا ينكر على من ابتغى وجه ربه بما شرع الله تعالى من الطاعات، لاسيما مع كثرة الغفلة، والانشغال عن الله تعالى والدار الآخرة.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

 

 

الأكثر مشاركة