ما طارت الدنيا

ما طارت الدنيا.. لكنها، في كرة القدم، ما أقلعت معنا حتى الآن. نحاول، ونجتهد، وننفق، ونخطط، ثم نعود من حيث بدأنا، محمّلين بخيبات متراكمة وأسئلة لا تجد جواباً شافياً. منتخبنا الوطني لكرة القدم قصة طويلة من المحاولات التي لم تبلغ نهايتها.

اسمحوا لي أن أردد كلمة المغفور له، الشيخ حمدان بن راشد، حين قال عبارته الشهيرة: «الإمارات نجحت في كل شيء إلا هذه الملعونة»، وكان يقصد كرة القدم. عبارة قاسية، لكنها صادقة، وربما أكثر عمقاً مما نظن. فهي لا تصف نتيجة مباراة، بل تختصر مساراً طويلاً من الإخفاقات، رغم حسن النيّة وكثرة المحاولات.

والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم، دون مواربة: ماذا لو آمنّا - ولو مؤقتاً - بأن كرة القدم ليست لعبتنا؟ العالم مملوء بالأمثلة. دول عظمى في السياسة والاقتصاد والعلم، لكنها لم تجعل من كرة القدم هويتها الرياضية. الولايات المتحدة الأميركية، بكل ثقلها العالمي، أدركت مبكراً أن كرة القدم ليست لعبتها الأولى، فتميّزت في كرة السلة، وكرة القدم الأميركية، والبيسبول، وصنعت فيها أساطير واقتصاداً رياضياً هائلاً. روسيا برزت في الجمباز ورفع الأثقال وألعاب القوى، وفرضت اسمها عالمياً دون أن تجعل كرة القدم معيار تفوقها. الهند آمنت بالكريكيت حتى باتت عنوانها الرياضي الأبرز، بينما ركّزت الصين على ألعاب القوى والرياضات الأولمبية فحصدت المجد بثبات.

أما نحن، فلدينا رياضات كثيرة رفعنا فيها علم الإمارات عالياً، وحققنا فيها إنجازات مشرفة إقليمياً وعالمياً، رياضات لو حظيت بما حظيت به كرة القدم من دعم وضخ مالي وإعلامي، لربما كنا اليوم في صدارة المشهد، لا نبحث عن إنجاز، بل نؤرّخه.

المشكلة، في تقديري، ليست في اتحاد يدير، ولا في مدرب يخطط، ولا في لاعب يقاتل داخل الملعب.. المشكلة أعمق من ذلك، ربما هي تلك «اللعنة» التي تحدث عنها الشيخ حمدان، لعنة لا نعرف سرها، لكنها تظهر كلما ظننا أننا اقتربنا.

ويبقى الجمهور، في قلب هذه الحكاية، الضحية الأكثر إرهاقاً. جمهور يرى الإخفاق فينتقد من وجع، لا من شماتة، ثم يفوز المنتخب في مباراة فيفرح بصدق، وينسى الألم بسرعة لافتة، ويعود الأمل كأن شيئاً لم يكن. مشاعر متأرجحة بين غضب وفرح، بين نقد ودعم، إلى أن تأتي الصفعة الأخيرة بالخروج من البطولة، فيتكرس الإحساس ذاته: أمل مؤقت، ونهاية محفوظة. ليست الخيبة في الخسارة وحدها، بل في تكرار السيناريو، وفي شعور المشجع بأن الفرح لا يُسمح له أن يكتمل.

وإلى أن نفك شيفرة هذه اللعبة معنا، سيبقى المشجع الإماراتي واقفاً بين أملٍ لا يكتمل وخيبةٍ يعرفها جيداً، يفرح حين يفوز المنتخب لأنه يحبه، لا لأنه واثق، ويحزن حين يخسر، لأنه اعتاد الخذلان لا لأنه صُدم. ما طارت الدنيا... لكن في كل مرة نقترب فيها من الإقلاع، نشعر بأن الريح ليست في صالحنا.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

 

الأكثر مشاركة