ليست مجرد خسارة مالية

في كل مرة نقرأ فيها عن ضحية للاحتيال الإلكتروني، نظن أن المسألة مجرد فقدان مبلغ مالي سيجري تعويضه أو تجاوزه بمرور الوقت، لكن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير.

المال قد يُعوَّض، أما الشعور بالخديعة وانكسار الثقة فهذا ما يبقى طويلاً بعد انتهاء التحقيقات.

أحد ضحايا تلك الجرائم رجل مكافح قضى سنوات عدة في وظيفة جيدة، حرص خلالها على ادخار جزء من دخله شهرياً بهدف تأمين مستقبل أولاده، وتوفير رسوم المرحلة الجامعية، إلى أن وقع في فخ محتالين محترفين استولوا على كل مدخراته أثناء إجراء مكالمة لم تستمر أكثر من 20 دقيقة.

هذه القصة ليست حادثة عابرة بل مرآة لواقع بات يهدد المجتمع كله، والمؤلم في هذه الجرائم ليس براعة المحتالين التقنية فقط، بل قدرتهم على استغلال لحظة خوف صغيرة لدى الإنسان.

الخوف من إيقاف البطاقة، من تعليق الحساب، من الوقوع في خطأ مالي.. المحتالون لا يدخلون عبر نافذة الحسابات المصرفية بل عبر نافذة المشاعر.

هنا تبرز أهمية الإطار القانوني في دولة الإمارات الذي شدد عقوبات هذه الجرائم بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 الذي لا يقتصر على معاقبة الجناة، بل يرسخ مبدأ بالغ الأهمية في هذه المرحلة الرقمية، ويختلف في ذلك عن دول عدة أخرى في أوروبا وغيرها وهو أن «المجني عليه ليس مذنباً» حتى إن أدخل بياناته دون قصد، لأن القانون يعتبره هدفاً لأساليب احتيالية معقدة، صُمّمت لتبدو كأنها تواصل رسمي لا يدعو للشك.

ورغم الحماية القانونية لا يمكن تجاهل البُعد الإنساني للقضية، فضحية الاحتيال لا يخسر مدخراته فقط بل يفقد إحساسه بالأمان في عالم يفترض أن التكنولوجيا جعلته أسهل وأكثر أماناً.

فجأة يتحول الهاتف الذي كان وسيلة راحة إلى مصدر تهديد، وهذا التحول يخلق عبئاً نفسياً لا يقل خطورة عن العبء المالي.

المجتمع بدوره يتحمل مسؤولية في هذا السياق، فلا يصح أن نحمّل الضحية اللوم تحت عبارات مثل «كيف صدقت؟» أو «كان لازم تنتبهي». مثل هذه الجمل تزيد جراح الضحية عمقاً، بينما المطلوب هو نشر الوعي دون جلد الضحايا، فالمحتالون اليوم يملكون أدوات تقنية قادرة على خداع حتى الأكثر حذراً، ومن ثم فهناك ضرورة لتعزيز ثقافة التحقق، والتبليغ الفوري، ومشاركة المعرفة.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

الأكثر مشاركة