تعاطف في غير محله!

في زمن أصبحت فيه مواقع التواصل منبراً عاماً للتعبير عن الرأي، يتفاعل كثيرون مع قضايا قد يكون بعضها منظوراً أمام المحاكم أو حكم فيه بالفعل، هذا التفاعل قد يبدو للوهلة الأولى ممارسة طبيعية لحرية الرأي، لكن قد يتحوّل في بعض الحالات إلى فعل مجرم إذا تضمن تأثيراً في سير العدالة، أو تضليلاً للرأي العام، أو تعاطفاً مع جناة أو متهمين في قضايا منظورة أمام القضاء.

دولة الإمارات العربية المتحدة تولي عناية كبيرة بتنظيم الخطاب العام عبر الإنترنت خصوصاً حين يتعلق بأمن المجتمع أو سير العدالة، وبحسب المادة 22 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، يجرم نشر أو تداول أي معلومات بقصد التأثير في الرأي العام بشأن قضية منظورة أمام المحاكم أو تمس نزاهة القضاء أو سمعته.

كما يجرم القانون نشر الشائعات أو الأخبار المغلوطة التي قد تؤدي إلى إثارة البلبلة أو التأثير في الثقة بالسلطات القضائية والأمنية.

كما أن المادة 274 من قانون العقوبات الاتحادي رقم 31 لسنة 2021 تتناول التأثير في الشهود أو القضاء أو التدخل بأي وسيلة في سير العدالة، ويُعاقب من يفعل ذلك بالحبس والغرامة.

ويلح هنا تساؤل مهم حول مفهوم التعاطف، فهو في نهاية الأمر شعور إنساني لا يمكن تجريمه في ذاته، لكن حين يعبر عنه بشكل علني وموجه للرأي العام يتحوّل من تعبير وجداني إلى سلوك مؤثر في العدالة، مثل أن يكتب أحدهم - وهذا يحدث كثيراً - أن فلاناً مظلوم، أو أن القاضي قاسٍ أثناء سير المحاكمة، أو تداول مقاطع تظهر المتهم في صورة بطولية، إذ يمكن أن يعتبر كل ذلك تدخلاً غير مشروع في مجرى القضية.

وما لا يدركه الذين يتورّطون في ذلك، أن إبداء التعاطف في غير وقته، يمكن أن يسبب تشويشاً للعدالة، وقد يخلق ضغطاً على أطراف الدعوى مثل الشهود، على غرار حالات نتابعها في دول أخرى تنفذ فيها حملات إلكترونية لتضليل الرأي العام خلال نظر قضايا بعينها، ما يخلق حالة من الانقسام واستغلال عاطفة الجمهور.

في النهاية، يجب أن ندرك أن التفاعل مع القضايا العامة حق مشروع، لكن هناك خطاً رفيعاً يفصل بين الحرية والمسؤولية خصوصاً في الفضاء الإلكتروني.

*محكم ومستشار قانوني

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيه. 

الأكثر مشاركة