ألا وقول الزور!

ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئاً - فقال: ألا وقول الزور (يعني أحذّركم من قول الزور)، فما زال يُكرّرها حتى قلنا ليته سكت».

وقول الزور هو الكذب المحض الذي يُزيِّن به المزوِّر كلامه، ويلْبس به الباطل ثوبَ الحق، فتُستحل به المحرمات، وتضيع به الحقوق، وينتشر الظلم والباطل بين الناس، وتتولد منه العداوة والبغضاء التي هي حالقة للدين.

وفي الحديث دلالة عظيمة على خطر قول الزور وأثره الاجتماعي السيئ على مستوى الفرد والمجتمع والدولة والعدالة، فإن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر الإشراك بالله، وهو أعظم الذنوب على الإطلاق، وذكر عقوق الوالدين وهو من أخطر الذنوب وأكبرها، ومع ذلك لم يغير هيئة جِلسته، حتى ذكر قول الزور فنهض عليه الصلاة والسلام، وتغيّظ لذلك، وكرّر قوله محذراً منه، حتى أشفق عليه الصحابة رضي الله عنهم، وتمنّوا سكوته ليريح نفسه من عناء الانفعال والتغيظ على هذا القول السيئ الذي قد يكون من ضعيفي الإيمان أو فاقديه، كل ذلك ليحذّر الناس من التهاون في قول الزور الذي قد يكون سهلاً على اللسان، لكنه يُوبق صاحبه في دركات جهنم، وهو عليه الصلاة والسلام رحيم بأمته لا يريدهم أن يصلوا إلى هذا الحال المفسد للدين والدنيا.

وما أكثر الذين يتساهلون في هذا الجُرم الكبير، ويستخفون بعقوبته العاجلة والآجلة، ومثل هذا الوعيد والتنفير الشديد قول الله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾، فقد قرن الله تعالى قول الزور بالرجس من الأوثان الذي هو شرك به سبحانه، وإنما كان ذلك الاقتران لما لقول الزور من الأثر السيئ على الأفراد والمجتمعات.

ولشدة جرم هذا القول نجد أن الشريعة الإسلامية لم تجعل عليه حداً معيناً، كما جعلت للقذف أو لشرب الخمر مثلاً، لئلا يكون الحدُّ أقلّ أثراً على قائل الزور، بل جعلت عقوبته تعزيرية موكولة لجهة التقاضي، لتُعزّر القائل بما يكون نكالاً له وعبرة لغيره.

إن قول الزور يعم كل قول مزيف يراد به تغيير الحقائق وإبطالها، وتزيين الباطل والوصول إليه، ومثل ذلك يجعل الظلم شائعاً في المجتمعات، والواجب على المجتمعات حماية نفسها منه بتوعية قائلي الزور توعية إيمانية، تمنعهم من الاستهتار بمحارم الله تعالى، وأخطرها قول الزور، كما أن معاقبة المزورين معاقبة رادعة، مهمة، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، كما ورد في الأثر.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

تويتر