يُكفى همُّك ويغفرُ لك ذنبُك
ليس منا أحدٌ إلا وهو مثقلٌ بذنوب السيئات، وذنوب التقصير في الواجبات، فإن كل بني آدم خطَّاءٌ، والعصمة ليست إلا للرسل عليهم الصلاة والسلام، والواجب على كل إنسان أن يجتهد لمحو سيئاته، كما أمر الله تعالى بقوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
كما أنه لا يخلو أحدٌ من الهموم الشاغلة الثقيلة على قلبه، التي تؤثر على صحته، وتشوش عليه صفو حياته، والكثير من الناس يغفل عن الدواء الشافي الماحي، وهو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لأُبَيِّ ابن كعب رضي الله عنه، الذي قال لرسول الله: «إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟» فقال: «ما شئتَ» قال: قلتُ: الربع؟ قال: «ما شئتَ فإن زدتَ فهو خيرٌ لك» قلت: النصف؟ قال: «ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك» قلتُ: فالثلثين؟ قال: «ما شئتَ، فإن زدت فهو خيرٌ لك» قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: «إذا تُكفى همَّك، ويغفر لك ذنبُك»، وهذا ليس خاصاً بأبِيٍّ رضي الله عنه، بل هو عام لأمته صلى الله عليه وسلم.
وفيه بيان لفضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأذكار، والسر في ذلك أن الصلاة الواحدة على النبي عليه الصلاة والسلام تستدرُّ عشر صلواتٍ من الله تعالى، فكيف بأكثر من ذلك، ولأن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام هي امتثالٌ لأمر الله تعالى المطلق، حيث أمر بالصلاة والسلام على رسول الله أمراً غير مقيد بزمان ولا مكان، ليشتغل بها المرء في كل أحواله المتاحة له، ولأن الصلاة والسلام عليه تبعث في قلب المصلي المحبة الكاملة؛ فإن من أحب شيئاً أكثرَ من ذكره، ويحشر مع محبوبه، ولأن الصلاة والسلام عليه تقربه منه في دار الكرامة، كما ورد: «إن أولاكم بي يوم القيامة أكثرُكم علي صلاة في الدنيا»، وفي حديث آخر: «إن أقربكم مني يوم القيامة في كل موطن أكثركُم علي صلاة في الدنيا». ويشهد له ما ورد أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك لأحبُّ إلي من نفسي، وإنك لأحبُّ إلي من أهلي، وإنك لأحبُّ إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، فإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني وإن أدخلت الجنة خشيت أن لا أراك»، فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ..﴾.
*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.