الذكاء العاطفي.. القوة الخفية في نجاح الطلاب
في زحمة الأرقام والدرجات، وفي سباق التحصيل الأكاديمي، يغيب عن كثير من الأنظمة التعليمية ذلك العنصر الصامت الذي يصنع الفرق الحقيقي في حياة الطالب، وهو الذكاء العاطفي. وحقيقة إنه ليس مادة تُدرّس، ولا اختباراً يُقاس، لكنه حاضر في كل لحظة تعليمية، في كل تفاعل، وفي كل قرار يتخذه الطالب داخل المدرسة وخارجها.
وحقيقة الذكاء العاطفي هو ما يجعل الطالب قادراً على فهم نفسه، وضبط مشاعره، والتفاعل مع الآخرين بوعي وتعاطف، بل هو ما يمنحه القدرة على تجاوز الإحباط، والتعامل مع الفشل، والاحتفال بالنجاح دون غرور، وهذا ما أكدته الأدبيات التربوية أن الطلاب الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي يكونون أكثر قدرة على التركيز، وأقل عرضة للقلق، وأكثر نجاحاً في بناء علاقات إيجابية داخل الصف وخارجه.
وإذا تطرقنا للبيئة الصفية، نرى أن الذكاء العاطفي يلعب دوراً محورياً في خلق مناخ تعليمي آمن ومحفز، فالطالب الذي يشعر بالأمان والانتماء يكون أكثر استعداداً للمشاركة والتفاعل. بل إن المعلم الذي يمتلك ذكاءً عاطفياً يستطيع أن يفهم احتياجات طلابه، ويتعامل مع اختلافاتهم، ويحوّل التحديات إلى فرص للنمو، وهنا لا يكون التعليم مجرد نقل للمعلومة، بل بناء للإنسان يدعمه ويطوّر مهاراته وقدراته ويصقل تفاعلاته الاجتماعية والانفعالية. بل إن أهم ما يميز الذكاء العاطفي أنه قابل للتعلم والتطوير، فمن خلال الأنشطة الصفية، والحوار، والتغذية الراجعة، يمكن للمدرسة أن تصبح بيئة تنمّي هذه المهارات تدريجياً، وقد أثبتت برامج التعلم الاجتماعي العاطفي فعاليتها في تحسين سلوكيات الطلبة، وتقليل المشكلات الصفية، وزيادة التفاعل الإيجابي، ما يجعلها ضرورة تربوية لا يمكن تجاهلها.
ونهاية.. أرى أن الذكاء العاطفي لا يصنع طالباً ناجحاً فقط، بل يصنع إنساناً متوازناً قادراً على التفاعل مع عالم مليء بالتحديات. وإذا أردنا أن نعيد تعريف النجاح في التعليم، فعلينا أن نبدأ من هنا من بناء القلب قبل بناء العقل، فحين نبدأ ببناء القلب قبل العقل، فإننا نؤسس لتعليم يتجاوز حدود المعرفة إلى عمق الإنسانية، فالعقل المتزن لا يثمر إلا في بيئة مشبعة بالتعاطف والاحترام والوعي بالذات. ومن هنا، يصبح الذكاء العاطفي حجر الأساس في صناعة جيل متعلم ومتوازن ومؤثر في مجتمعه ليكون القوة الخفية في نجاح أبنائنا.
جامعة الإمارات العربية المتحدة
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.