قوة الأمر المقضي
«قوة الأمر المقضي» مبدأ قانوني مهم، يرسخ استقرار المعاملات ويمنع إعادة طرح النزاعات التي سبق الفصل فيها.
وحتى نفهم طبيعة هذا المبدأ يمكن الاستدلال بقضية طلبت فيها المدعية إلزام خصمها بسداد ثلاثة ملايين درهم قيمة رهن عقاري، إلى جانب تعويضات مالية وأدبية تجاوزت تسعة ملايين درهم، مستندة إلى إقرار زعمت أنه تضمن وعداً من المدعى عليه بإقراضها المبلغ مقابل رهن عقار مملوك لها في إحدى الدول الخليجية.
المحكمة نظرت الدعوى، وتوصلت إلى أنها تتعلق بواقعة سبق البت فيها من قبل قضاء تلك الدولة، إذ طالبت المدعية هناك بإبطال الرهن كونه تم مقابل قرض لم تحصل عليه، لكن قضت المحكمة بصحة عقد الرهن، باعتباره وفاء لدين سابق في ذمة شقيقها، وليس مقابل قرض وعدها به المدعى عليه، وتم تأييد الحكم في مراحل تقاضٍ لاحقة ليصبح نهائياً.
المحكمة التي نظرت القضية داخل الدولة طبقت القواعد المنصوص عليها في قانون الإثبات الإماراتي ومفادها أن الحكم النهائي يحوز حجية تمنع الخصوم من مناقشة المسألة المقضي فيها مرة أخرى، حتى لو استندوا إلى أدلة جديدة أو دفوع لم تطرح سابقاً.
كما استندت إلى ما استقر عليه قضاء التمييز بأن الحكم الأجنبي يحوز قوة الأمر المقضي متى صدر بين الخصوم أنفسهم في ذات الموضوع والسبب، وصار حكماً نهائياً وفق قانون الدولة التي صدر فيها.
المحكمة انتهت إلى أن المسألة الجوهرية في الدعوى التي تتعلق بصحة عقد الرهن، حسمت نهائياً من قبل قضاء الدولة الشقيقة، ما يجعل إعادة طرحها مجدداً من قبل محكمة إماراتية غير جائزة، ورفضت طلبات المدعية بما فيها التعويض.
الحكم يبرز نهج القضاء الإماراتي في احترام أحكام المحاكم الأجنبية النهائية متى توافرت فيها شروط الحجية، الأمر الذي يعزز الثقة المتبادلة بين الأنظمة القضائية، ويكرس مبدأ الأمن القانوني، كما يوجه رسالة إلى المتقاضين بأن اللجوء إلى أكثر من ولاية قضائية في النزاع ذاته لن يؤدي إلى نتائج مختلفة، طالما أن الحقيقة القضائية قد استقرت بحكم نهائي.
خلاصة القول أن قوة الأمر المقضي ليست مجرد قاعدة إجرائية، بل ركيزة للعدالة، لأنها تحول دون القفز على الأحكام النهائية، وتحفظ استقرار المعاملات، فمتى قالت المحكمة كلمتها الأخيرة، وجب احترامها داخل الحدود الوطنية أو خارجها.
*محكم ومستشار قانوني
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.