سلطان الأمين

في السنوات الأولى لجامعة الشارقة دار نقاش بين أحد مسؤوليها وصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حول بعض طلبة «المنح» الذين لا يجتهدون بما يكفي، والخشية من أن يؤثر ذلك على تصنيف الجامعة، فأجابه سموّه بأن الجامعة أنشئت لأبنائنا أولاً، مضيفاً سموه: «إذا لم يدرُسوا هم فيها، فمن يدرُس؟».

جملة تختصر رؤية حاكمٍ يعرف أن بناء الإنسان أهم من أي تصنيف.

ومنذ تأسيس جامعتي الشارقة والأميركية فيها، تخرّج قرابة 65 ألف طالب حتى أصبح من الطبيعي أن يكون في كل بيتٍ من حملة الماجستير والدكتوراه. لم تأتِ هذه الحالة صدفة، بل بتخطيطٍ طويل المدى لحاكمٍ رأى أن المعرفة أمانة، وأن كل عقلٍ غير متعلّم طاقة مهدرة من الوطن.

ولأنه لا يفصل بين فكر الإنسان وغذائه، حمل «سلطان» علمه في الزراعة، فعرف الأرض كما يعرف الإنسان. أطلق مشاريع الغذاء النقي في مليحة؛ قمح غني بالبروتين، وحليب من سلالاتٍ غير مهجّنة، وسلة غذائية متكاملة ملأت أرفف الجمعيات. ليس مشروعاً اقتصادياً فحسب، بل عودة إلى الفطرة، أن يأكل الإنسان ما خلق الله، لا ما صنع السوق.

ولأن الروح إن ضاقت تعطّل العقل والجسد، كان «سلطان» لها سنداً. في مليحة شكت امرأة عبر «الخط المباشر» من رسوم تجديد محلّها، فجاءت توجيهاته على الهواء:

«درهم واحد فقط».

بقرارٍ واحد مسح همّها، وعلّم المسؤولين أن الرحمة لا تُقرّ بتعميم بل بتصرّف.

وفي مداخلة أخرى، حين طالبت «أم مهير» بحبس أبٍ عاجز عن سداد نفقة أبنائه، قال سموّه: «إن كان صادقاً ولا يملك فأنا المسؤول عنه».

بهذه العبارة اختصر فلسفته في الحكم: عدالةٌ تراعي القانون وتزن بروح القانون.. أليس هو القائل: «بجرة قلم تنتهي مآسي الناس»؟ وجميعنا يعلم أن جرّة القلم هذه تأتي بعد تخطيطٍ وتدبيرٍ وسهر ليالٍ حتى تصل إلينا بقرارٍ يثلج الصدور.

إنه سلطان الأمين؛ الحاكم الذي جعل من كلمة «إنسان» محوراً لحكمه.

بعلمه يرعى عقولنا، وبزرعه يحمي أجسادنا، وبقلبه يرمّم أرواحنا.

ولهذا حين يُذكَر اسمه في المجالس، يردد أهل الشارقة:

«هذا ما يحبّه سلطان».

اللهم اجعل هذا الوطن عامراً بالخير والإنسان.. كما أحبّوه، وكما أرادوه لنا.

*إعلامي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

الأكثر مشاركة